طلب العفو والسقوط السياسي للمجرم نتنياهو… الهروب الأخير من شبح السجن

فواز النقاش

فواز أحمد النقاش

كاتب وباحث دكتوراة في العلوم السياسية

يمثل لجوء رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي -المجرم بنيامين نتنياهو- إلى طلب العفو في قضايا الفساد، نقطة تحول حاسمة لا يمكن قراءتها إلا من منظور سياسي عميق يتجاوز الإجراءات القانونية البحتة، إنها ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي استراتيجية نجاة مدفوعة بالخوف، تكشف عن أزمة قيادة وتداعيات خطيرة على النظام السياسي للكيان الإسرائيلي برمته.

إن التفسير السياسي الأكثر دقة لهذا الطلب هو أنه اعتراف ضمني بالإفلاس القانوني، يأتي بعد سنوات من الإنكار العلني للتهم، ووصف المحاكمة بأنها “مطاردة ساحرات” و”انقلاب”، فالقائد الذي يثق ببراءته يصر على استكمال المسار القضائي لتبرئة ساحته بشكل نهائي؛ ليؤكد بذلك نزاهته أمام الرأي العام والمؤسسات، أما اللجوء إلى العفو -حتى لو كان مشروطًا بعدم الاعتراف بالذنب- فهو يضع المصلحة الشخصية في النجاة من العقاب فوق مصلحة الدولة المزعومة في إقامة العدل. هذا السلوك يعكس إفلاسًا سياسيًا وأخلاقيًا؛ إذ يجري تسييس أداة قانونية (العفو) لخدمة هدف شخصي بحت، وهو تجنب السجن أو الإقصاء السياسي.

إن تبرير هذا الطلب بضرورة تحقيق “الوحدة الوطنية” أو “المصلحة العامة” ليس سوى ذريعة سياسية مكشوفة؛ تهدف إلى تحويل المسألة الجنائية من قضية فساد شخصي إلى قضية وطنية عليا، إن هذه المناورة السياسية تهدف إلى الضغط على المؤسسات الرئاسية والقضائية، واستغلال الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي لتمرير صفقة تضمن له الحصانة مقابل اعتزاله الحياة السياسية على رغم تصريحات مقربين منه بعدم الاعتزال، وهو ما يمثل مساومة على مبدأ العدالة.

أما التداعيات على النظام السياسي فهي وخيمة؛ إذ يمثل طلب العفو تحديًا مباشرًا لمبدأ سيادة القانون، الذي يعد حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، وإن تحويل سلطة العفو من وظيفتها الأصلية (الرحمة الإنسانية) إلى أداة سياسية صريحة يمثل إضعافًا واضحًا لمبدأ الفصل بين السلطات.

هذا التغليب للاعتبارات السياسية على الأحكام القانونية يقوض استقلالية القضاء، ويجعل السلطة التنفيذية قادرة على إلغاء أحكام السلطة القضائية لأسباب غير قانونية، مما يهدد التوازن الدستوري، كما يؤدي استخدام العفو تدخلًا سياسيًا إلى تآكل الثقة العامة في نزاهة المؤسسات القضائية واستقلاليتها، عندما يُنظر إلى قرار العفو على أنه صفقة سياسية تلغي مجهودات القضاء وأحكامه، فإن ذلك يشوه مفهوم العدالة – المشوه أصلا في القضاء الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين-ويحولها من قيمة مطلقة إلى سلعة قابلة للمقايضة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي على المدى الطويل، وإن أخطر التداعيات هو تكريس مفهوم أن العدالة يمكن شراؤها أو مقايضتها بالمنصب، مما يضرب في الصميم جوهر سيادة القانون، ويُعدّ القبول بهذا الطلب سابقة خطيرة؛ إذ سيمكن أي مسؤول مستقبلي متهم بالفساد من استخدام ورقة “الوحدة الوطنية” ذريعة للهروب من المساءلة، مما يؤدي إلى خلق فئة من “المحصنين” من كبار المسؤولين يتمتعون بحماية سياسية من المساءلة الجنائية، وهو ما يضرب مبدأ المساواة أمام القانون في الصميم.

إن المسار القضائي، في حال استكماله، يمثل الطريق المباشر لـ السقوط السياسي (الخلع) لنتنياهو، وإن الإصرار على استكمال المسار القضائي، كما يطالب به المعارضون، هو تأكيد على أن العدالة لا تتحقق بالمقايضات السياسية، بل بتطبيق القانون بحزم ونزاهة، وأن المنصب السياسي لا يجب أن يكون درعًا ضد المساءلة الجنائية.

في الختام، فإن القراءة السياسية لطلب العفو هي قراءة واقعية للموقف؛ إذ يرى نتنياهو أن هذا الطلب هو الهروب الأخير من شبح السجن والانهيار السياسي، بينما يرى فيه النقاد تأكيدًا للإفلاس الأخلاقي والسياسي ومحاولة لتقويض أسس الدولة القانونية المزعومة، وهذا الصراع بين النجاة الشخصية وسيادة القانون هو الذي يحدد مستقبل المساءلة السياسية في الكيان الإسرائيلي.

 

كاتب