منذر المقطري
كاتب وباحث
تشهد محافظة حضرموت تصاعدًا غير مسبوق في التوتر السياسي والعسكري؛ نتيجة احتدام الصراع السعودي–الإماراتي للسيطرة على حقول النفط والموانئ الحيوية، ما أدى إلى اشتباكات مباشرة بين “حلف قبائل حضرموت” المدعوم سعوديًا وقوات الانتقالي وأبو علي الحضرمي المدعوم إماراتيًا، بالتزامن مع تحركات للمنطقة العسكرية الأولى والثانية.
إن سيطرة الحلف على بترومسيلة، وردّ الانتقالي بتعزيزات عسكرية من شبوة والريان، إلى جانب وصول دعم سعودي عن طريق مطار سيئون، كلها مؤشرات على انزلاق المحافظة إلى مواجهة أوسع.
وفشل المبادرة الإماراتية للتهدئة، وتعليق عمل منشأة بترومسيلة، وانهيار منظومة الكهرباء في وادي حضرموت، عوامل تزيد من احتمالات تفجر احتجاجات اجتماعية قد تُستغل سياسيًا.
تتحول حضرموت اليوم إلى ساحة صراع مفتوحة بين الرياض وأبو ظبي، مع هشاشة داخلية قد تستدعي دخول صنعاء على خط التطورات مستقبلًا وفق مسار الميدان.
أولًا: الخلفية والسياق:
تعدّ محافظة حضرموت أكبر المحافظات اليمنية وأكثرها حساسية من حيث موقعها الجيوسياسي المطل على البحر العربي، والأغنى من حيث الموارد النفطية؛ إذ تضم النسبة الأكبر من احتياطيات النفط والغاز في البلد، وتشرف على أهم الموانئ النفطية والسواحل في بحر العرب؛ ما جعلها ساحة تنافس لمشاريع النفوذ الإقليمية والدولية، وما تخلفه من انقسامات داخلية حادة بفعل الاستقطابات الخارجية، لا سيما بين السعودية والإمارات.
تشهد محافظة حضرموت مؤخرًا توترًا سياسيًا غير مسبوق؛ نتج عنه اشتباكات، ما ينذر بانزلاقها نحو مواجهة عسكرية أوسع، بين “حلف قبائل حضرموت” الموالي للسعودية وبين قوات الانتقالي الموالي للإمارات.
أتى التصعيد الأخير (مساء يوم الأحد 30 نوفمبر 2025) على خلفية التهديدات التي أطلقها أبو علي الحضرمي قائد “قوات الدعم الأمني” التابع للانتقالي، بحق الشيخ عمرو بن حبريش رئيس “حلف قبائل حضرموت” المدعوم سعوديًا.
وقد هاجم الحضرمي في تصريحاته حلف قبائل حضرموت واتهمها بإنشاء تشكيلات عسكرية خارج المؤسسة الأمنية ومحاولة تقويض مشروع انفصال الجنوب الذي تتبناه الإمارات، متعهدًا بعدم “الوقوف مكتوفي الأيدي أمام محاولات فرض واقع جديد بقوة السلاح في حضرموت”.
ويكشف التحرك الأخير للانتقالي حجم الصراع المحتدم بين الرياض وأبو ظبي على الموارد النفطية بالمحافظة والهيمنة على الموانئ البحرية، وأنه ليس مجرد خلاف سياسي عابر؛ إذ تحاول كلٌّ من الدولتين تنفيذ مشروعها الخاص في المحافظة.
ثانيًا: الأطراف الفاعلة واتجاهاتها:
تتنافس في المحافظة ثلاثة أطراف رئيسة مدعومة خارجيًا:
- حلف قبائل حضرموت (مدعوم سعوديًا):
هذا الحلف المدعوم سعوديًا؛ من أجل احتواء طموح الإمارات في المحافظة، ويدعو إلى حكم ذاتي بوصفه خيارًا “وطنيًا” لاستعادة الهوية والسيادة المحلية، وهو طرح يتقاطع مع الرغبة السعودية التي تسعى إلى إنشاء نموذج إداري خاص يخدم مصالحها في الشرق اليمني.
يرتكز حلف قبائل حضرموت على القاعدة القبلية؛ إذ يسانده حلف قبلي من عشائر بدو حضرموت، ويسيطر على أهم حقول النفط في المحافظة؛
لهذا الحلف جناح عسكري اسمه “قوات الحماية الحضرمية”، تأسس في مارس 2025 بدعم عسكري سعودي مباشر، بعد زيارة بن حبريش إلى السعودية في تاريخ 21 مارس 2025م ولقائه بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ويقدر قوام هذا التشكيل العسكري بنحو 3 آلاف مقاتل، ولهم تسليح متوسط.
- المجلس الانتقالي الجنوبي (مدعوم إماراتيًا(:
يتبنى مشروع انفصال الجنوب والشرق عن اليمن، ضمن دولة فدرالية جنوبية تتيح لحضرموت أن تكون إقليمًا فيها، بما ينسجم مع مخططات أبو ظبي لإعادة هندسة الجنوب سياسيًا واقتصاديًا وفق مصالحها البحرية.
- القوات الحكومية التابعة لحكومة عدن:
هذه القوات ممثلة بالمحافظ المعين حديثًا سالم أحمد الخنبشي، الذي يدعو إلى “التهدئة والاستقرار”، لكن المعطيات تشير إلى أنه جاء محملًا بتوجه مضاد لحلف قبائل حضرموت عن طريق تحريك المنطقة العسكرية الثانية لاستعادة المناطق النفطية من يد حلف قبائل حضرموت.
ثالثًا: الوقائع الميدانية:
تجاوز الوضع الراهن في حضرموت التوتر السياسي إلى الصدام العسكري بين الحلف الحضرمي من جهة وبين المنطقة العسكرية الثانية والقوات الموالية للإمارات من ناحية أخرى، هذا الوضع المتوتر ينذر بمواجهات واسعة في المحافظة.
مساء الأحد 30 نوفمبر 2025، تفجرت اشتباكات عنيفة بين قوات الحماية الحضرمية التابعة لحلف حضرموت والقوات التابعة للانتقالي المدعومة إماراتيًا بقيادة أبو علي الحضرمي، بعد أقل من أسبوع من إحكام حلف قبائل حضرموت السيطرة على حقل بترومسيلة أحد أهم حقول النفط في المحافظة.
ويأتي تصعيد قوات الانتقالي في سياق التنافس بين أبو ظبي والرياض للسيطرة على حقول النفط في المحافظة؛ إذ دفعت قوات الانتقالي الموالية للإمارات –الاثنين- بتعزيزات عسكرية كبيرة من خارج حضرموت، توجهت من محافظة شبوة المجاورة، وأخرى خرجت من عَتق، سلكت الطريق الصحراوي المؤدي مباشرة لوادي حضرموت، بالتزامن مع توجه تعزيزات الريان صوب الهضبة، ما يشير إلى نية إماراتية لإطباق الحصار على حلف القبائل بالوادي والصحراء.
يتزامن ذلك مع فشل المفاوضات مع مقاتلي حلف القبائل المدعوم سعوديًا.
في الجهة المقابلة اقتحمت قوات “المنطقة العسكرية الأولى” المتمركزة في وادي وصحراء حضرموت –الاثنين- مخيم اعتصام للفصائل الموالية للإمارات في الهضبة النفطية، يأتي ذلك عشية وصول تعزيزات سعودية للمنطقة؛ إذ أفادت تقارير محلية بوصول طائرة شحن عسكري سعودية إلى مطار سيئون تحمل عتادًا عسكريًا لدعم قوات بن حبريش.
رابعًا: خريطة السيطرة:
- قوات الحماية الحضرمية التي يقودها بن حبريش تسيطر على المنشآت النفطية في بترومسيلة النفطية، بالإضافة إلى هضبة حضرموت والمناطق الساحلية الجنوبية.
- القوات الموالية للإمارات التي يقودها أبو علي الحضرمي تحاول استعادة السيطرة على المناطق النفطية.
- قوات المنطقة العسكرية الأولى تسيطر على مناطق الوادي وصحراء حضرموت، ومؤخرًا فضَّت اعتصامًا للانتقالي في سيئون.
- أدانت قوات المنطقة العسكرية الثانية “الاعتداءات والتصرفات غير المسؤولة” التي تستهدف المنشآت النفطية في حضرموت.
خامسًا: تقدير الموقف العام
تشير المعطيات السياسية والتحشيدات العسكرية الأخيرة لكل طرف نحو المزيد من التصعيد العسكري، لا سيما فشل مبادرة إماراتية للتهدئة، تضمنت إخراج “العسكرية الأولى” من وادي وصحراء حضرموت وعودة قوات “العسكرية الثانية” لمواقعها في حماية حقول النفط، إضافة لإعلان منشأة بترومسيلة تعليق العمل نتيجة تدهور “الأوضاع الأمنية”.
يتضح من مجمل التطورات أن حضرموت صارت المحور الأبرز للصراع للسيطرة على حقول النفط والموانئ في المحافظة، مع انتقال المواجهة السعودية – الإماراتية إلى مستوى أكثر حدة، فالمحافظ الجديد ظهر أداة سعودية لاستعادة مواقع بترومسيلة، فيما تحاول الإمارات عن قوات أبو علي الحضرمي والانتقالي فرض سيطرة موازية، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة أكدت هشاشة الوضع وقابليته للانفجار.
ولا شك أن صنعاء تراقب الوضع وتطوراته العسكرية، وقد تجد نفسها مشتبكة مع المشهد الساخن، سواء قبليًا أو عسكريًا، بحسب ما يحمله الواقع من تطورات.

