تركيا وإسرائيل: بين الاقتصاد والسياسة في لعبة القطيعة

صورة واتساب بتاريخ 2025-08-31 في 10.32.01_d794aec4
image_pdfحفظ PDFimage_printطباعة

قرار تركيا بوقف تجارتها وعلاقاتها اللوجستية مع إسرائيل، والذي جاء وسط تصاعد الحرب في غزة واستقطاب الرأي العام الإسلامي، يثير سؤالاً أساسياً: هل هو تحول استراتيجي في سياسة أنقرة، أم مجرد ورقة ضغط ظرفية تهدف لامتصاص الداخل التركي وإعادة تلميع صورتها الإسلامية؟

‏ الحسابات التركية

‏تركيا تعلم جيداً أن اقتصادها يعتمد على شبكة علاقات واسعة، وأن خسارة السوق الإسرائيلي (6–7 مليارات دولار سنوياً) ليست ضربة قاتلة، لكنها مؤلمة لبعض القطاعات، خصوصاً الشحن والنقل والحديد. ومع ذلك، فإن أنقرة قادرة على امتصاص هذه الصدمة عبر إعادة توجيه صادراتها نحو الخليج وشمال إفريقيا وأوروبا.

‏الأهم هنا ليس الأرقام، بل الرسالة السياسية: أردوغان يريد أن يظهر مجدداً بصفته زعيماً إسلامياً قادراً على اتخاذ خطوات “جريئة” ضد إسرائيل، في لحظة تتصاعد فيها الضغوط الشعبية الداخلية عليه، خاصة من قاعدته المحافظة. القرار إذاً ليس اقتصادياً بحتاً، بل هو استثمار سياسي في الداخل والخارج.

‏المأزق الإسرائيلي

‏إسرائيل من جهتها، وإن كانت خسائرها المالية المباشرة أقل (2–3 مليارات دولار)، إلا أن وقعها الاستراتيجي أكبر. فهي تفقد أحد منافذها الحيوية للمواد الخام ومواد البناء الرخيصة، وتضطر للبحث عن بدائل أكثر تكلفة. كما أن إغلاق الأجواء التركية يعزلها عن آسيا ويزيد أعباءها اللوجستية في زمن حرب تحتاج فيه إلى خطوط إمداد آمنة ورخيصة.

‏بهذا المعنى، تتأثر إسرائيل نوعياً أكثر من تركيا، إذ أن القرار التركي يضيف طبقة جديدة من الضغط السياسي والاقتصادي عليها، ويعزز صورة عزلتها الإقليمية.

‏ بين الحقيقة والدعاية

‏يبقى السؤال: هل هذا القرار خطوة استراتيجية ثابتة أم مجرد استعراض سياسي؟

‏إذا التزمت أنقرة به على المدى الطويل، فسيعني إعادة تعريف لمعادلة العلاقة التركية – الإسرائيلية التي كانت أحد أعمدة السياسة الإقليمية منذ التسعينيات.

‏أما إذا تراجعت تحت ضغط رجال الأعمال أو الغرب، فسيثبت أنه مجرد “خطاب تعبوي” يهدف إلى تسويق تركيا إسلامياً، من دون تغيير جوهري في موازين القوى.


‏ختاماَ تركيا تخسر بالأرقام، لكنها تربح بالرمزية والقدرة على استثمار القرار كأداة ضغط ومكانة. إسرائيل تخسر أقل مالياً لكنها تتأذى أكثر استراتيجياً، في وقت حساس من الحرب. وبين هذين البعدين، تظل معركة “القطيعة” جزءاً من لعبة أكبر: لعبة أردوغان في الموازنة بين الاقتصاد البراغماتي وصورة الزعامة الإسلامية.