نزاع الجرف القاري اليمني الصومالي في ظل الحضور التركي.. نحو سياسة مبكرة لحماية الحقوق والسيادة الوطنية

نزاع الجرف القاري

أنس القاضي

كاتب وباحث سياسي

الملخص التنفيذي

جاءت الاتفاقية التركية–الصومالية (2024) في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، ضمن صراع متصاعد على النفوذ البحري والموارد في القرن الإفريقي وبحر العرب، وقد منحت الاتفاقية لتركيا دورًا مباشرًا في حماية واستغلال المنطقة البحرية الصومالية مدة عشر سنوات، بما يشمل تنفيذ المسوحات، والحفر، وإدارة الأمن البحري، هذا التحول يكتسب أهمية خاصة لليمن؛ نظراً لوجود خلاف مع الصومال حول الجرف القاري جنوب بحر العرب ومدخل المحيط الهندي حول أرخبيل سقطرى، ولأن الصومال تعيد توسيع ادعاءاتها البحرية عبر تأويل أحادي لاتفاقية قانون البحار، دون وجود أي ترسيم رسمي معترف به دولياً.

وتُظهر الورقة أن الاتفاقية تحمل أبعاداً قانونية وجيوسياسية واقتصادية قد تؤثر في اليمن مباشرة، أهمها: إمكانية خلق واقع بحري–طاقوي جديد، قد ينعكس على حقوق اليمن المستقبلية؛ تزايد عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن بدخول تركيا لاعباً بحرياً جديداً؛ منح أنقرة امتيازات نفطية واسعة في منطقة ذات تقديرات هيدروكربونية ضخمة (نفطية غازية)، إضافة إلى إمكانية توظيف نتائج المسوحات أو الحفر أمرًا واقعًا يؤثر في ملف اليمن المجمّد أمام لجنة حدود الجرف القاري منذ 2009.

أما تقييم المخاطر، فقد أظهر أن الخطر الأعلى يتمثل في التهديد القانوني، خصوصاً في ظل أي أعمال تركية أو صومالية أحادية في مناطق متنازع عليها. يلي ذلك الخطر الاقتصادي المتمثل في فقدان اليمن فرصة استغلال موارده المحتملة في الجرف القاري، ثم المخاطر الجيوسياسية والأمنية التي قد تُضعف الموقع البحري اليمني في فضاء تتصاعد فيه المنافسة الدولية.

وتقترح الورقة مجموعة خيارات سياسية شاملة لحماية المصالح اليمنية، أبرزها: تفعيل المسار الدبلوماسي مع الصومال لإعادة ضبط الحدود البحرية، بدء إعداد ملف قانوني محدّث لتقديمه إلى لجنة حدود الجرف القاري، مراقبة أي عمليات مسح أو حفر قد تقوم بها تركيا؛ توسيع التعاون مع دول ذات نفوذ في القرن الإفريقي، بناء قدرات يمنية متخصصة في القانون البحري والموارد البحرية.

يمثّل هذا المسار حزمة متكاملة لمعالجة أزمة متنامية، ويمنح اليمن أدوات واقعية للتعامل مع اتفاقية تحمل آثاراً استراتيجية طويلة المدى على الأمن البحري والمصالح الاقتصادية والسيادة الوطنية.

خلفية الأزمة

تعود جذور الخلاف البحري بين اليمن والصومال في الجرف القاري إلى عام 2009، حين قدّم اليمن ملفه إلى لجنة الأمم المتحدة لحدود الجرف القاري، واعترضت عليه الصومال، ما أدى إلى تجميد الملف واستمراره معلّقاً حتى اليوم، ودخول اليمن والصومال في تفاهمات ثنائية لإدارة العلاقات البحرية بدون ترسيم قانوني، وظل الخلاف ساكناً لسنوات قبل أن يُعاد تنشيطه في سياق تعاظم الحضور البحري التركي في الصومال، وتوقيع اتفاقات أحادية تشمل إدارة الجرف القاري والموارد البحرية في مناطق متداخلة مع اليمن/ ([1]).

وعلى رغم هذا الخلاف، شهد العقد الأول من الألفية تعاوناً واسعاً بين البلدين في الأمن البحري والصيد والملاحة عبر سلسلة اتفاقيات رسمية: مذكرة تفاهم تجارية عام 2006م بين المؤسسة الاقتصادية اليمنية وبونتلاند/ ([2])، ثم برنامج 2007–2009م لتنظيم قطاع الصيد وتشجيع الاستثمارات المشتركة وحماية الصيادين من القرصنة([3])، تلتها اتفاقية 2013م لمكافحة القرصنة وتسوية أوضاع القوارب الصومالية وتدريب القوى البحرية([4])،/ وفي العام نفسه أُنشئت لجنة مشتركة للتعاون السياسي والأمني والاقتصادي؛ بهدف وضع إطار مؤسسي دائم للعلاقة الثنائية ([5]) .

على الجانب الصومالي، تعاظم الاهتمام بسيادتها البحرية بعد 2011م مع ضعف قدرات الحماية، فاتجهت مؤسساتها إلى إعادة تفسير اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بما يخدم مصالحها في المنطقة الاقتصادية والجرف القاري، مع تأكيد حقوقها السيادية ومراعاة المرور العابر للدول الحبيسة ([6]) ، وفي هذا السياق تعززت الشراكة التركية–الصومالية منذ 2011م، وتُوّجت بإنشاء قاعدة “توركسوم” عام 2017م مركزًا لإعادة بناء الجيش الصومالي ([7]).

نشرت الصومال في عام 2020م خرائط ترويجية للاستثمار البحري-النفطي، ظهرت فيها حدودٌ بحرية تمتد لتشمل أرخبيل سقطرى ضمن نطاق الجرف القاري الصومالي، وهو ما قوبل برفض رسمي من الجانب اليمني-صنعاء([8])، لكن هذه الخرائط لم تُنتج أي أثر قانوني.

أمّا التحوّل الحاسم الذي ولّد الأزمة الحالية فقد بدأ مع حزمة اتفاقيات 2024م بين الصومال وتركيا، الموقَّعة في ظل تصاعد التوتر مع إثيوبيا بعد اتفاق “أديس أبابا” مع أرض الصومال؛ للحصول على منفذ بحري، ما دفع مقديشو إلى طلب مظلة حماية تركية ([9]). جاءت هذه الاتفاقيات في لحظة انشغال اليمن بالحرب، فمضت دون اعتراض يمني، على رغم أنها تمنح أنقرة امتيازات استكشاف وإنتاج واسعة وحقوقاً مالية وقانونية غير مسبوقة/ ([10])، وتؤسس لحضور بحري تركي ممتد في المحيط الهندي والبحر الأحمر في ظل تنافس دولي متصاعد في القرن الإفريقي([11]).

وبذلك عاد الخلاف البحري اليمني–الصومالي للواجهة، لكن هذه المرة في ظل دخول تركيا فاعلًا جديدًا في منطقة الجرف القاري المتنازع عليها، بما يربط الأزمة القديمة بتعقيدات جيوسياسية واقتصادية مستجدة.

بيان الأزمة:

تواجه اليمن أزمة متصاعدة في فضائها البحري الجنوبي بعد الاتفاقية التركية–الصومالية التي منحت أنقرة دوراً مباشراً في حماية واستغلال الجرف القاري الصومالي داخل منطقة لم تُرسَّم حدودها مع اليمن، وظل نزاعها معلّقاً منذ اعتراض الصومال عام 2009م، ومع توسّع الادعاءات الصومالية وامتيازات تركيا الواسعة، يبرز خطر فقدان اليمن لحقوق محتملة في الجرف القاري ونشوء واقع بحري جديد بفعل الأنشطة التركية، وتزداد خطورة الوضع مع التنافس الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن وضعف الأدوات اليمنية الحالية، ما يجعل حماية السيادة البحرية مرهونة بتحرك قانوني–سياسي مبكر ومنسق.

طبيعة الاتفاقية التركية–الصومالية

تُعدّ الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي التي وقّعتها تركيا والصومال في 8 فبراير 2024م تطوراً نوعياً في علاقة البلدين؛ إذ نقلتهما من مستوى الشراكات التدريبية والإنسانية إلى مستوى إدارة مشتركة للأمن البحري والموارد البحرية ([12]).

تشمل الاتفاقية أربعة مستويات رئيسة:

 (1) التعاون الدفاعي البحري (2)، بناء القدرات العسكرية، (3) مكافحة التهديدات البحرية، (4) التعاون الاقتصادي والطاقوي.

ترى تركيا أن الصومال “شريك مهم لتركيا في إفريقيا” وأن الاتفاقية ستعزز بناء جيش صومالي قادر على حماية أراضيه ومياهه، بينما تنظر الصومال إلى الاتفاقية من ناحية أوسع تشمل مكافحة الإرهاب والتعاون المالي والعسكري والاقتصادي، ويمثل “مرحلة جديدة” في العلاقات الثنائية ([13]).

من ناحية ثانية فالاتفاقية تتضمن تفويضاً واضحاً لتركيا بحماية المياه الصومالية مدة عشر سنوات(2024-2034م)، وإنشاء قوة بحرية مشتركة، وتنفيذ مهام تأمين السواحل والتدخل ضد التهديدات البحرية، مثل القرصنة والتهريب والصيد غير القانوني، وقد عدّت مقديشو الاتفاق مع تركيا “آلية ردع” ضد أي تهديد لوحدة أراضيها([14])

وتتوسع الاتفاقية لتشمل تأمين المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال، وإجراء مسوحات زلزالية وحفر في أعماق البحر خلال عامي 2024–2025م، في إطار رؤية تركيا لتوسيع نفوذها البحري، في ظل تقديرات بوجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز في الجرف القاري الصومالي.([15])

أما من الناحية الاقتصادية فالاتفاقية تمنح تركيا حقوقاً واسعة للاستكشاف والإنتاج الحصري في المياه الصومالية، دون رسوم توقيع أو مكافآت، مع السماح لها باحتجاز الإيرادات خارج النظام المالي الصومالي، واسترداد 90% من العائدات أولاً لتغطية التكاليف، إضافة إلى نسبة ملكية صومالية لا تتجاوز 5%، وتصف المادة هذه البنود بأنها تمنح تركيا سيطرة اقتصادية وقانونية واسعة، وتضع الصومال في موقع اعتماد شبه كامل على أنقرة ([16]).

وبهذا يصبح جوهر الاتفاقية دمج الأمن البحري، والتنقيب عن الموارد، والسيادة الإقليمية، ضمن إطار واحد، يمنح تركيا نفوذاً مباشراً على ساحل يمتد 3333 كيلومتراً، وعلى منطقة اقتصادية خالصة تصل إلى مليون كيلومتر مربع، استناداً إلى تأويل صومالي لقانون البحار، هذه النقطة تحديداً هي التي تثير المخاوف اليمنية؛ لأنها تقع في نطاق لم تُحسم حدوده بعد بين اليمن والصومال، والاتفاق يعترف ضمنياً بحدود صومالية أحادية في منطقة متنازع عليها/ ([17]) .

السردية اليمنية عن  جرفها القاري

السردية الصومالية عن  جرفها البحري

 

 البُعد القانوني للاتفاقية وتأثيرها في اليمن

تثير الاتفاقية -بعد دخولها حيّز النفاذ عقب المصادقة الرسمية من الطرفين- عدداً من الإشكالات القانونية المرتبطة بالجرف القاري في جنوب بحر العرب، وهو جرف ما يزال موضع نزاع مفتوح بين اليمن والصومال منذ عام 2009م، حين قدمت اليمن ملفها إلى لجنة حدود الجرف القاري (CLCS) وقوبل باعتراض صومالي أدى إلى تجميد إجراءات البتّ فيه قانونياً، ودخول اليمن والصومال في علاقات لإدارة الملف ضمن التفاهمات الثنائية لا الحقوق القانونية.

 يدخل هذا النزاع ضمن الولاية القانونية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار([18])(UNCLOS) /، التي تؤكد ضرورة الامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية في المناطق المتنازع عليها، وقد تُستخدم الاتفاقية حجة قانونية ضد اليمن إذا لم تتحرك صنعاء دبلوماسياً وقانونياً؛ لأنها تمنح تركيا حقوقاً في الجرف القاري الصومالي على رغم أن حدوده ليست معترفاً بها دولياً ومتنازع عليها مع اليمن ([19]).

الإطار القانوني الدولي الحاكم للنزاع:

هناك أطر قانونية تحكم مثل هذه النزاعات ([20])، ووفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن الجرف القاري يُعد امتداداً طبيعياً لأراضي الدولة، ويصل إلى 200 ميل بحري، ويمكن أن يمتد حتى 350 ميلاً في حال ثبوت الامتداد الجيولوجي، فعندما يوجد نزاع بين دولتين متجاورتين حول الجرف القاري، تنص المادة (83) على الالتزام بقاعدة “عدم المساس بالحقوق”، أي الامتناع عن أي خطوة من شأنها تغيير الوضع القانوني أو خلق حقوق مكتسبة في المناطق المتنازع عليها إلى حين الوصول إلى تسوية.

وتؤكد المادة القانونية المؤسِّسة لحقوق الصومال البحرية أن ممارسة السيادة داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري يجب أن تراعي حقوق الدول المجاورة، بما فيها الدول المتشاركة في الحدود البحرية ما يعني اليمن ([21]).

وضع اليمن القانوني في ملف الجرف القاري:

ما تزال الحدود البحرية بين اليمن والصومال غير مرسّمة دولياً، فقد أدى اعتراض الصومال على الملف اليمني عام 2009م إلى تجميد البتّ في الامتداد الجيولوجي للجرف القاري اليمني، هذا الوضع يضع الدولتين أمام قاعدة قانون البحار التي تمنع اتخاذ إجراءات أحادية، وبالنظر إلى هذا الأساس، فإن كل اتفاق يمنح دولة ثالثة (تركيا) حق إدارة أو استغلال مناطق بحرية قد تكون ضمن نطاق النزاع يشكل خرقاً محتملاً للمادة /(83)؛ فالاتفاقية الحالية تمنح تركيا حقوقاً تُعد بحكم القانون “اعترافاً ضمنياً” من الصومال بترسيم أحادي الجانب لم يُقرّ دولياً، وهو ما قد يضعف موقف اليمن في أي تحكيم مستقبلي إذا لم تتحرك صنعاء لحماية موقفها القانوني.

الأثر القانوني لدخول الاتفاقية حيز النفاذ:

اعتبرت الصومال الاتفاقية نافذة بمجرد المصادقة البرلمانية، فيما أكملت تركيا لاحقاً تصديقها الرسمي، ما يعني أن الاتفاقية باتت نافذة تماماً بين الطرفين، غير أن هذا النفاذ لا يُنشئ أي التزام على اليمن؛ إذ إن القانون الدولي البحري يتضمن قاعدة أن الاتفاقيات الثنائية لا تنتج آثاراً قانونية على الدولة الثالثة (Pacta tertiis)([22]) .

لكن، وعلى رغم عدم إلزاميتها لليمن، فإن الاتفاقية تُنتج خطراً من نوع آخر يتمثل في إمكان خلق واقع بحري–عملي قد يُستَخدم لاحقاً وقائع مادية في أي نزاع مستقبلي حول الجرف القاري، خصوصاً أن الاتفاقية تشمل “حماية المياه الصومالية لمدة عشر سنوات”، وهو ما يمثّل ممارسة فعلية لسيادة بحرية في منطقة لم تُرسَّم حدودها بالكامل ([23]).

الامتيازات النفطية التركية وخطر “الحقوق المكتسبة”:

تُعد الاتفاقية النفطية الصومالية–التركية واحدة من أخطر أبعاد النفاذ القانوني؛ فهي تمنح تركيا حقوقاً موسّعة تشمل: احتكار الاستكشاف والإنتاج، وإعفاءات كاملة من الرسوم، واسترداد 90% من العائدات، والاحتفاظ بالإيرادات في الخارج، ونسبة ملكية لا تتجاوز 5% للصومال.

هذه البنود تمنح تركيا سلطة اقتصادية وقانونية واسعة على موارد الجرف القاري، المشكلة الأساسية هنا أن حقوق الامتياز الطويلة تُعد في القانون الدولي البحري “حقوقاً مكتسبة”، أي: حقوقاً يمكن لطرف ثالث التمسك بها لاحقاً أمام هيئات التحكيم، وهذا يمثل خطراً بالغاً على اليمن إذا كانت مناطق الامتياز تقع في أو بالقرب من مناطق النزاع البحري غير المحسومة ([24]) .

تمدد تركيا البحري وأثره في النزاعات الإقليمية:

تعطي الاتفاقية تركيا دوراً مباشراً في حماية المنطقة الاقتصادية الخالصة الصومالية، وتنفيذ الحفر والمسوحات الزلزالية، وبالنظر إلى أن اليمن لم يحدد بعد حدوده البحرية النهائية، فإن هذه الأنشطة التركية قد تُستخدم لاحقاً وقائع حماية أو إدارة في منطقة بحرية غير مرسّمة، مما يشكل سابقة قد لا تكون في صالح اليمن في أي عملية ترسيم مستقبلية/ ([25]).

تقييم المخاطر على اليمن

تكشف الاتفاقية التركية/الصومالية بعد دخولها حيّز النفاذ عن مجموعة مخاطر مركّبة على اليمن، تمتد من البعد القانوني إلى الاقتصادي والجيوسياسي؛ فقد مُنحت تركيا صلاحيات واسعة لحماية واستغلال المياه والجرف القاري الصومالي مدة عشر سنوات، إضافة إلى امتيازات نفطية تمنحها سيطرة شبه كاملة على العائدات، ضمن فضاء يتداخل مع الجرف القاري المتنازع عليه جنوب بحر العرب، كما تُعد الاتفاقية جزءاً من استراتيجية تركية لبناء نفوذ بحري–طاقوي طويل الأجل في المحيط الهندي عبر الصومال، ما يهدد بخلق وقائع عملية قد تهدد مستقبلاً اليمن، وبناءً على ذلك يمكن تصنيف المخاطر التي تواجه اليمن إلى أربعة محاور رئيسة.

طبيعة المخاطر

درجة الخطورة

الأثر

المدى الزمني

التفسير التحليلي

أولاً: المخاطر القانونية – ترسيم الجرف القاري

عالٍ جداً

كبير واستراتيجي

متوسط–بعيد

منح تركيا حقوقاً سيادية في منطقة متنازع عليها يُعد خطوة أحادية قد تُستخدم لاحقاً أمرًا واقعًا أمام اللجنة المعنية بحدود الجرف القاري أو في أي تحكيم بحري

ثانياً: المخاطر الاقتصادية – ضياع الموارد المحتملة

عالٍ

كبير

بعيد

تشمل الامتيازات النفطية التركية مناطق ذات تقديرات هيدروكربونية ضخمة في فضاء يتداخل مع نزاع اليمن

ثالثاً: المخاطر الجيوسياسية – عسكرة البحر وإعادة التموضع التركي

متوسط–عالٍ

كبير

مستمر

أصبحت تركيا طرفاً بحرياً مباشراً في خليج عدن والمحيط الهندي عن طريق حماية المياه الصومالية لمدة 10 سنوات، ما يرفع مستوى التنافس العسكري في جوار اليمن

رابعاً: المخاطر الأمنية – انزلاق مناطق النزاع إلى ساحات نفوذ جديدة

متوسط

متوسط–كبير

قريب–متوسط

تحويل المياه المتاخمة للجرف القاري إلى مناطق عمليات لبحرية تركية صومالية قد يخلق احتكاكاً مع اليمن، خصوصاً في ظل التصعيد البحري القائم في البحر الأحمر

خامساً: مخاطر فقدان النفوذ اليمني التقليدي في القرن الإفريقي

متوسط

متوسط

مستمر

اليمن كان يمتلك شبكة تعاون بحري مع الصومال، وتطور النفوذ التركي يجعل هذا الإرث مهدداً بالانهيار الكامل

 

تحليل المخاطر

الخطر القانوني:

تمنح الاتفاقية تركيا صلاحيات قانونية أمنية في “حماية الجرف القاري المتنازع عليه و”إجراء المسوحات” و”عمليات الحفر”، وهي إجراءات ذات طبيعة سيادة وفق قانون البحار أي تقوم بها أو عن طريق شركات واتفاقيات الدولة ذات السيادة على هذه المنطقة، فيما لم ترسّم حدود هذه المنطقة بين اليمن والصومال، ما يُعد هرقاً يمثل خرقاً للمادة (83) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وقد يُستغل الخرق لاحقاً لتعزيز موقف صومالي/تركي مشترك ضد الادعاء اليمني؛ فهذا الخطر الأعلى تأثيراً والأكثر إلحاحاً.

الخطر الاقتصادي:

التقديرات التي تتحدث عن وجود 30 مليار برميل نفط تجعل أي نشاط تركي في المياه الصومالية القريبة من مناطق النزاع ذا تبعات مباشرة على اليمن، وبنية الامتياز التركية القائمة على استعادة 90% من العائدات، تعني أن تركيا ستكون اللاعب الرئيس والمؤثر في أي اكتشاف، ما يحوّل الموارد إلى عامل ضغط استراتيجي، هذا الخطر سيظهر على المدى البعيد لكنه كبير للغاية.

الخطر الجيوسياسي:

حماية المياه الصومالية مدة عشر سنوات، وتطوير قدرات البحرية الصومالية عن طريق تركيا، يمهّد لوجود تركي طويل الأجل في منطقة ملاصقة للمياه اليمنية ونطاق ولاية البحرية اليمنية؛ ما يضع اليمن أمام مشهد جديد من التنافس العسكري بين القوى الدولية (الولايات المتحدة، الصين، الإمارات، تركيا) في محيطه البحري، هذا الخطر يتصاعد تدريجياً ويهدد المجال الحيوي لليمن.

الخطر الأمني:

وجود بحرية تركية في خليج عدن قد يتقاطع مع عمليات اليمن العسكرية المرتبطة بالبحر الأحمر والدفاع عن السيادة البحرية، هذا يرفع احتمالات سوء الفهم أو الاحتكاك العملياتي، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.

خسارة النفوذ اليمني في القرن الإفريقي:

لدى اليمن إرث تعاون بحري مع الصومال، لكن النفوذ التركي المستمر في مقديشو يهدد هذا الإرث، ويجعل الصومال تتحرك خارج أي اعتبار للشراكة التاريخية مع اليمن، وهذا الخطر مستمر لكنه قابل للمعالجة عبر التحرك الدبلوماسي.

خيارات السياسة العامة اليمنية

  • 1)المسار الدبلوماسي مع الصومال:

توجيه مذكرة احتجاج رسمية، وطلب فتح مفاوضات أو تفاهمات مؤقتة تمنع أي استغلال منفرد في مناطق النزاع، مع إحياء أطر التعاون السابقة وتحويل الخلاف من صراع حقوق إلى إطار مصالح بحرية مشتركة.

  • 2)المسار الدبلوماسي مع تركيا:

فتح حوار هادئ لتوضيح حدود النزاع، وطلب تعهّد بعدم إجراء أي نشاط استكشافي في المناطق المتداخلة، واقتراح آلية تشاور ثلاثية أو ترتيبات بديلة تمنع الاحتكاك وتضمن احترام المطالب اليمنية.

  • 3)المسار القانوني الدولي:

تحديث ملف اليمن الفني–الجيولوجي وتقديمه للجنة حدود الجرف القاري، وإخطار الأمم المتحدة بالموقف اليمني، مع إعداد ملف تقاضٍ جاهز يمكن تفعيله أمام هيئات القانون الدولي إذا بدأت أعمال استكشاف داخل منطقة النزاع.

  • 4)المسار الفني–الجيولوجي:

بناء قاعدة بيانات وطنية متكاملة للجرف القاري جنوب بحر العرب تُستخدم أساسًا لأي تحرك قانوني أو تفاوضي مستقبلي.

  • 5)المسار الاقتصادي:

طرح نموذج شراكة يمنية–صومالية بديلة أو مكملة للامتياز التركي، وكشف الاختلالات الاقتصادية في الاتفاق التركي–الصومالي بما يخدم الحوار ويعيد اليمن طرفاً مشروعاً في استغلال موارد الجرف.

  • 6)المسار الإعلامي–السياسي:

بناء سردية يمنية تحترم الصومال وتؤكد أن اليمن لا يعارض التنمية الصومالية، بل يعارض التصرف في منطقة متنازع عليها، مع إبراز تاريخ التعاون بين البلدين واختلالات الامتياز التركي.

  • 7)المسار الأمني:

تعزيز المراقبة البحرية وتوثيق الأنشطة التركية–الصومالية، ووضع قواعد اشتباك تمنع الاحتكاك المباشر مع الحفاظ على الحق في حماية المياه اليمنية، واستخدام الردع ملاذًا أخيرًا إذا فشلت المسارات الأخرى، للضغط من أجل العودة للدبلوماسية.

ترتيب الأولويات بين المسارات

يتعين على حكومة صنعاء البدء بخطوات عاجلة تشمل الاحتجاج الرسمي للصومال، وإخطار الأمم المتحدة، وفتح تواصل مباشر مع أنقرة لضبط أي تحركات في مناطق النزاع، وفي المدى المتوسط تستكمل الملف الفني–الجيولوجي وتبني قاعدة بيانات بحرية، وتُعد ملف التقاضي مع إبقاء خيارات الضغط مفتوحة، وعلى المدى الطويل تعمل على إعادة بناء شبكة تعاون في القرن الإفريقي وصياغة استراتيجية بحرية شاملة تعيد اليمن إلى موقع الفاعل المنظّم في البحر العربي وغرب المحيط الهندي.

التوصيات

  • 1-إطلاق مسار دبلوماسي مباشر مع الصومال لإعادة ضبط الادعاءات البحرية وتحييد أثر الاتفاقية، عن طريق إحياء اللجان الفنية واستئناف الحوار القانوني حول منع الإجراءات الأحادية، مع اعتماد خطاب يحترم الصومال بوصفها دولة جارة، ويُحمّل مسؤولية الخلاف للاتفاقية لا للعلاقات الثنائية.
  • 2-إعداد ملف قانوني مُحدّث لإعادة تقديمه إلى لجنة حدود الجرف القاري، يستند إلى الأدلة الجيولوجية الجديدة وتوثيق أي أنشطة تركية–صومالية، بحيث يُقدَّم هذا المسار للعالم بوصفه دفاعاً عن قواعد قانون البحار وليس صراع نفوذ سياسي.
  • 3-مراقبة وتوثيق عمليات المسح والاستكشاف والحفر في المناطق المتاخمة للنزاع، وتعزيز الوجود اليمني الفني والعسكري في البحر العربي وخليج عدن، مع تجنّب الصدام المباشر مع تركيا ما لم تُقدِم الأخيرة على تنفيذ أعمال فعلية داخل نطاق النزاع البحري.
  • 4-تنويع الشراكات الإقليمية والدولية في القرن الإفريقي عن طريق بناء تعاون مع الدول المشاطئة وتطوير قدرات يمنية في القانون البحري والعمليات البحرية؛ لمنع تفرد أي طرف خارجي بإعادة تشكيل البيئة البحرية.

 

 

[1] أحمد علي الأحصب،”اليمن واتفاق الصومال-تركيا: بين تهديد السيادة وخسارة الثروات” صحيفة النداء، 11 سبتمبر 2025م، الرابط

: https://www.alndaa.net/posts/102810

[2] صحيفة 14 أكتوبر نقلاً عن سبأ،”التوقيع على مذكرة تفاهم بين المؤسسة الاقتصادية اليمنية والوفد التجاري الصومالي” 26 مارس 2006، الرابط

: https://14october.com/News/7SWPSRSQ-6M1VMS

[3] موقع حافظة حضرموت نقلاً عن سبأ،”اليمن والصومال يوقعان على برنامج العمل التنفيذي لمذكرة التفاهم في المجال السمكي” 19 نوفمبر 2009، الرابط

: https://www.hadhramaut.info/view/18430.aspx

[4] الثورة نت نقلاً عن سبأ،”بحث تفعيل مذكرة التفاهم بين اليمن والصومال في مكافحة القراصنة” 8 أبريل 2013، الرابط

: https://althawrah.ye/archives/40424

[5] (المركز الوطني للمعلومات – وكالة سبأ”توقيع اتفاقية لإنشاء لجنة مشتركة للتعاون بين اليمن والصومال”، 10 سبتمبر 2013، الرابط

: http://www.yemen-nic.info/news/detail.php?ID=55658

[6] (عبد القادر علي معلم عبدالله،”الموارد البحرية للصومال بين الحقوق السيادية والالتزامات الدولية” قراءات صومالية، 18 ديسمبر 2024، الرابط

: https://www.qiraatsomali.com الموارد-البحرية-للصومال-بين-الحقوق-ا

[7] “Türkiye ile Somali arasında Savunma ve Ekonomik İşbirliği Çerçeve Anlaşması” Anadolu Ajansı ، )AA), 8 February 2024. Available at

: https://www.aa.com.tr/tr/gundem/turkiye-ile-somali-arasinda-savunma-ve-ekonomik-isbirligi-cerceve-anlasmasi-/3131682

 

[8] سبأ نت، ” مناقشة تعديات الحكومة الصومالية للجرف القاري لليمن”، (08 مارس 2020)، متاح على الرابط:

https://www.saba.ye/ar/news3090160.htm

[9] (BBC Türkçe – “Türkiye ve Somali arasında imzalanan güvenlik anlaşması neden tartışma yarattı?”، 23 فبراير 2024، الرابط: https://www.bbc.com/turkce/articles/czk5zx9474eo

 

[10] WardheerNews،”What You Need to Know About the Somalia-Turkey Oil Agreement April 23, 2025 :

https://wardheernews.com/what-you-need-to-know-about-the-somalia-turkey-oil-agreement/).

[11] (Serhat Süha Çubukçuoğlu،”Maritime Security Aspects of Türkiye-Somalia Defense Cooperation Agreement” TRENDS Research، 26 May 2024:

 : https://trendsresearch.org/insight/maritime-security-aspects-of-turkiye-somalia-defense-cooperation-agreement

[12] وقد وُقّعت الاتفاقية في العاصمة التركية أنقرة بين وزير الدفاع التركي يشار غولر ونظيره الصومالي عبدالقادر محمد نور، بعد اجتماعين ثنائي وجماعي ضمّ الوفود العسكرية لكلا البلدين.

 Türkiye ile Somali arasında Savunma ve Ekonomik İşbirliği Çerçeve Anlaşması مصدر سابق

[13] AAK”Türkiye ile Somali arasında Savunma ve Ekonomik İşbirliği Çerçeve Anlaşması”، 08.02.2024

[14] Türkiye ve Somali arasında imzalanan güvenlik anlaşması neden tartışma yarattı مصدر سابق

مصدر سابق Serhat Süha Çubukçuoğlu  [15]

 

[16] What You Need to Know About the Somalia-Turkey Oil Agreement مصدر سابق

 

[17] أحمد علي الأحصب، مصدر سابق

[18] اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار هي الإطار القانوني الدولي الذي يحدّد حقوق وواجبات الدول في البحار والمحيطات. وُقّعت في 10 ديسمبر 1982 بمدينة مونتيغو باي في جامايكا، ودخلت حيّز التنفيذ في 16 نوفمبر 1994. وتُستخدم الاتفاقية لترسيم الحدود البحرية، وحلّ النزاعات بين الدول، وتنظيم الملاحة الدولية وحقوق المرور في المضائق، وتحديد حقوق الدول في مناطقها الاقتصادية الخالصة وجروفها القارية، إضافةً إلى تنظيم استغلال الثروات البحرية وحماية البيئة ومنع التلوث، ما يجعلها المرجعية الأساسية في كل ما يتعلق بالسيادة البحرية وإدارة الموارد في البحار. للمزيد الاتفاقية متاحة على ها الرابط:

https://www.wipo.int/wipolex/ar/treaties/details/291

[19] أحمد علي الأحصب، مصدر سابق

[20] يمثل تفريق الأدوار بين الهيئات البحرية الدولية خطوة ضرورية لفهم مسارات التحرك القانوني اليمني. فـ لجنة حدود الجرف القاري (CLCS) ليست هيئة قضائية، بل جهاز تقني تابع لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، يختص فقط بدراسة البيانات العلمية والجيوفيزيائية التي تقدمها الدول حول امتداد الجرف القاري خارج 200 ميل بحري، ويصدر توصيات غير ملزمة قضائياً، لكنها تتمتع بثقل سياسي كبير. أما محكمة العدل الدولية (ICJ) فهي محكمة دولية شاملة الاختصاص تنظر في النزاعات بين الدول، بما في ذلك الحدود البحرية، شريطة قبول الطرفين باختصاصها، ويمكنها إصدار حكم نهائي وملزم. بينما تختص المحكمة الدولية لقانون البحار (ITLOS) بتطبيق أحكام اتفاقية البحار حصراً، وتملك ولاية قضائية على النزاعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها، وتصدر أحكاماً ملزمة، بما فيها التدابير المؤقتة، ويمكن اللجوء إليها عبر الملحق السابع للتحكيم في حال عدم وجود توافق بين الأطراف.

 

[21] عبد القادر علي معلم عبدالله، مصدر سابق

[22] ينصّ مبدأ “Pacta tertiis” في القانون الدولي على أن الاتفاقيات الثنائية لا تُلزم ولا تؤثر في الدول غير الموقّعة عليها؛ وبناءً عليه، فإن الاتفاقية التركية–الصومالية لا يمكن أن تنتقص من حقوق اليمن البحرية؛ لأنها ليست طرفاً فيها، كما أن أي مسوحات أو عمليات حفر تقوم بها تركيا بالاستناد إلى الاتفاقية لا تمتلك حجية قانونية ضد اليمن، ولا يمكن استخدامها لترسيخ واقع بحري جديد في منطقة متنازع عليها لم تُحسم وفق الآليات الدولية المختصة. وبالتالي، فإن فرض أي آثار للاتفاقية على المجال البحري المتقاطع مع الادعاءات اليمنية يُعد مخالفة واضحة للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لاسيما المادة (83).

[23] Türkiye ve Somali arasında imzalanan güvenlik anlaşması neden tartışma yarattı? مصدر سابق

[24] What You Need to Know About the Somalia-Turkey Oil Agreement مصدر سابق

[25] Maritime Security Aspects of Türkiye-Somalia Defense Cooperation Agreement مصدر سابق

كاتب