قرار مجلس الأمن بشأن غزة… قراءة في الأبعاد والأهداف والعقبات المحتملة

قرار مجلس الأمن بشأن غزة

أبوبكر عـبد الله

  • كاتب وباحث سياسي

 

حتى وقت قريب كانت التقديرات تشير إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي 2803 الذي حول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب -وقف حرب غزة- إلى قرار أممي ملزم، سينهي دوامة الجدل والمخاوف التي أشعلتها الخطة، ولا سيما في عقبات المرحلة التالية لوقف إطلاق النار، إلا أن اعتماد مجلس الأمن القرار نقل الجدل والخلافات بشأن الخطة إلى مربع أكثر تعقيدًا بعد منحه تفويضًا دوليًا لإنشاء هياكل حكم وقوات دولية في غزة، تقصي السلطة الفلسطينية من ترتيبات المرحلة الانتقالية مع مسار خجول ومحاصر بالشروط لمسألة تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية في المستقبل.

وبعد مشاورات وتعديلات استمرت أيامًا اعتمد مجلس الأمن الدولي بموافقة 13 عضوًا من أصل 15، بعد امتناع روسيا والصين عن التصويت على مشروع القرار المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يمنح التفويض الدولي لإنشاء هياكل حكم انتقالية وقوة دولية مؤقتة في قطاع غزة؛ ليضع القطاع في مسار سياسي وأمني جديد كليًا، تقوده هياكل حكم دولية وقوات متعددة الجنسيات يُنتظر أن تشرف على ما تبقى من استحقاقات خطة إنهاء حرب غزة، بتثبيت وقف إطلاق النار، ونزع سلاح حماس، ومنع تجدد الحرب، والشروع بخطة لإعادة إعمار غزة، مع العمل على مسار مشروط لتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.

“مجلس السلام”

أبرز ما تضمنه قرار مجلس الأمن الإذن بتشكيل “مجلس السلام” (Board of Peace) هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تشرف على إعادة الإعمار والإدارة المدنية حتى إتمام برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية في ولاية تستمر عامين، تنتهي عام 2027 مع إمكانية التمديد بقرار من مجلس الأمن.

فوض القرار “مجلس السلام” إدارة الترتيبات اللازمة لتحقيق أهداف الخطة الشاملة” و”إنشاء كيانات تشغيلية” لإدارة حكم انتقالية، بما يشمل الإشراف والدعم للجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية من الكفاءات من سكان القطاع، تدعمها جامعة الدول العربية، تتولى مسؤولية التسيير اليومي للخدمة المدنية والإدارة، وإعادة إعمار غزة وبرامج التعافي الاقتصادي، وتنسيق وتقديم الخدمات العامة والمساعدات الإنسانية في اتخاذ التدابير لتيسير حركة الأشخاص، دخولًا وخروجًا من غزة، بما يتفق مع الخطة الشاملة، والقيام بأي مهام إضافية قد تكون لازمة لدعم الخطة الشاملة وتنفيذها.

وبحسب القرار فإن الكيانات التشغيلية التي سيشكلها “مجلس السلام” ستعمل بموجب القرار الأممي تحت السلطة الانتقالية وإشراف “مجلس السلام”، وسيكون تمويلها عبر مساهمات طوعية من الجهات المانحة ومن آليات تمويل مجلس السلام ومن الحكومات.

“قوة الاستقرار”

منح القرار الأممي الإذن للدول المشاركة في “مجلس السلام” لإنشاء “قوة استقرار دولية ” (ISF)، تنتشر في غزة تحت قيادة موحدة مقبولة لدى “مجلس السلام”، تكون بمقام قوة مؤقتة مُفوضة باستخدام “جميع التدابير اللازمة”؛ لنزع السلاح في غزة، بما في ذلك تفكيك البنى التحتية العسكرية ونزع أسلحة الجماعات المسلحة غير التابعة للدول وتأمين الحدود، وحماية المدنيين، وتدريب الشرطة الفلسطينية وتأمين الممرات الإنسانية في قطاع غزة، وتسهيل المساعدات الإنسانية لمدة انتقالية مدتها عامان قابلة للتجديد، وتنتهي مع انتهاء ولاية الوجود الدولي المدني والأمني في قطاع غزة.

وألقى القرار على عاتق القوة الدولية مهام تأمين مناطق الحدود بين غزة ومصر وبين غزة ودولة الكيان، وتثبيت البيئة الأمنية في غزة، وضمان عملية نزع السلاح من القطاع، بما في ذلك تدمير البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، ومنع إعادة بنائها، وكذلك تفكيك دائم للسلاح من المنظمات المسلحة غير الحكومية، والإخراج الدائم للأسلحة من الخدمة من الجماعات المسلحة من غير الدول المشاركة وحماية المدنيين الفلسطينيين في إطار عمليات المساعدة الإنسانية.

كما حملها مسؤولية تدريب قوات الشرطة الفلسطينية التي ستعمل في غزة بعد إخضاعها لعملية فرز وفحص وموافقة، ومسؤولية التنسيق مع الدول المعنية لتأمين ممرات إنسانية، والاضطلاع بما يلزم من مهام إضافية دعمًا للخطة الشاملة.

وحدد القرار آليات لمشاركة الدول في هذه القوة بالتشاور والتعاون الوثيق مع جمهورية مصر العربية ودولة الكيان الاسرائيلي، كما شدد على أن تتخذ هذه القوة “جميع التدابير اللازمة للاضطلاع بولايتها بما يتسق مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني”.

وطبقا للقرار ستعمل القوة الدولية بالتنسيق مع إسرائيل ومصر، دون مساس باتفاقاتهما القائمة، وستمارس مهاهما مع قوة شرطة فلسطينية جديدة مدربة ومدقق في أفرادها؛ للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، واستقرار البيئة الأمنية في غزة، والإشراف على عمليات الانسحاب المجدولة لقوات جيش الاحتلال من قطاع غزة.

 الانسحاب وإعادة الإعمار

حدد القرار آليات لانسحاب قوات جيش الاحتلال من قطاع غزة بعد إحكام “قوة الاستقرار الدولية سيطرتها وإرسائها الاستقرار”، على أن يكون الانسحاب وفق معايير ومحطات زمنية مرتبطة بنزع السلاح، يجري الاتفاق عليها بين جيش الاحتلال الإسرائيلي و”قوة الاستقرار”، وكذلك الولايات المتحدة التي ستؤدي دور الضامن، باستثناء استمرار التواجد في محيط أمني سيظل قائمًا إلى حين تأمين غزة على نحو كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد.

أما البند الخاص بإعادة الإعمار فقد نص على ضرورة استئناف المساعدات لغزة بالتعاون مع مجلس السلام وضمان استخدامها لأغراض سلمية، ودعا البنك الدولي والمؤسسات المالية إلى دعم إعادة إعمار غزة وإنشاء صندوق لهذا الغرض.

ودعا القرار “البنك الدولي وسائر المؤسسات المالية إلى تيسير وتوفير الموارد المالية لدعم إعادة إعمار غزة وتنميتها، بما في ذلك إنشاء صندوق ائتماني مخصص لهذا الغرض، وتكون حوكمته بيد المانحين”.

مسار الدولة الفلسطينية

على رغم كل التحولات الدولية التي حدثت تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية فإن القرار الأممي اكتفى بإشارة صغيرة إلى قضية تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية، ربطها بشروط استكمال برنامج الإصلاحات للسلطة الفلسطينية، متحدثًا عن إمكان توافر ظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية بعد تنفيذ إصلاحات السلطة الفلسطينية وتقدّم إعادة الإعمار.

وقد منح القرار “مجلس السلام” صلاحيات بوضع إطار العمل وتنسيق الموارد لإعادة تنمية غزة وفقًا للخطة الشاملة إلى حين استكمال السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي بشكل مرضٍ، على النحو المبين في المقترحات المختلفة، بما في ذلك خطة السلام التي قدمها الرئيس ترامب عام 2020 والمقترح السعودي – الفرنسي، ويكون بمقدورها استعادة زمام السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال”.

وبعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية على نحو أمين وتقدم أعمال إعادة تطوير غزة، قد تتوافر الشروط أخيرًا لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية.

ومنح القرار الولايات المتحدة إدارة حوار بين إسرائيل والفلسطينيين؛ للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر.

أرضية التفويض الدولي

تحويل خطة ترامب لوقف حرب غزة إلى قرار أممي ملزم؛ جاء لأن الخطة تضمنت بنودًا تستدعي تفويضًا قانونيًا دوليًا من مجلس الأمن؛ لضمان تنفيذها وامتثال جميع الأطراف لالتزاماتها، ومنح التفويض بموجب القانون لهياكل الحكم الدولية الانتقالية التي اقترحتها الخطة بما يمكنها من القيام بمهامها.

الحال كذلك مع العقبات السياسية والقانونية التي واجهت خطة ترامب بالحاجة إلى تخطي إشكالية موافقة السلطة الفلسطينية في ظل الانقسام الحاصل بين السلطة الوطنية وحركة “حماس” للتدخل الدولي؛ ما جعل خيار إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن هو الطريق السالك لتجاوز هذه الإشكالية.

ذلك أن القوانين الدولية تنص على أن أي تدخل عسكري أو إداري في أي دولة ينبغي أن يكون إما بموافقة السلطات المحلية، أو بتفويض من مجلس الأمن الدولي، ونظرًا لعدم وجود سلطة في القطاع معترف بها دوليًا، كان تفويض مجلس الأمن هو المسار الوحيد المتاح الذي من شأنه أن يمنح الوجود الدولي في غزة شرعية قانونية وتجنب اتهامات بالاحتلال غير القانوني.

من جهة ثانية فإن الخطة التي استند عليها القرار الأممي نصت على إنشاء هياكل حكم وأنظمة أمنية وعسكرية وإدارية جديدة ومؤقتة في قطاع غزة، تتجاوز السلطة الفلسطينية وحركة “حماس”؛ ما فرض الحاجة إلى تفويض دولي ملزم يتيح القيام بهذه الخطوات دون اتهامات بانتهاك القانون الدولي وسيادة الدول.

وطبقًا للرؤية الأميركية فإن وقف إطلاق النار في غزة ظل هشًا ومعرضًا للانهيار ما دعا إلى دعمه بقوة دولية تتمثل بقرار من مجلس الأمن الدولي، يتيح تفويضًا دوليًا لتثبيته، يضمن بموجب القوانين الدولية عدم تجدد الحرب، ويمنع بالمقابل أي طرف من خرقه أو استئناف العمليات العسكرية بشكل منفرد.

وبصورة عامة فإن صدور القرار الأممي استهدف دعم خطة ترامب لوقف إطلاق النار وإنهاء حرب غزة، ووضع في المقابل أسسًا لضمانات دولية موضع إجماع؛ للمضي بالمراحل المتبقية من الخطة وصولا إلى توفيره الضمانات التي كانت تطالب بها الأطراف الدولية المحتمل مشاركتها في برنامج إعادة الإعمار، التي طالما اشترطت أجواء تمنع تجدد الحرب شرطًا لمساهمتها بجهود إعادة الإعمار.

الفصل السابع

قضية التفويض الدولي القانوني الذي كانت تحتاجه خطة ترامب، كان من أكثر القضايا إثارة للجدل في دوائر القرار العربية والدولية، وهو ذات الجدل الذي أثير تاليًا حول إن كان قرار مجلس الأمن 2803 صدر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعد ملزمًا، أو الفصل السادس الذي يعد قرارًا غير ملزم.

وصيغة القرار كانت حذرة بالإشارة إلى هذه الجزئية، إلا أن بنود القرار قدمت دلائل قوية على أنه صدر تحت الفصل السابع، وخصوصا بدعوته إلى التنفيذ الكامل لخطة الرئيس ترامب والحفاظ على وقف إطلاق النار، فضلا عن إجازته تشكيل مجلس سلام وقوة استقرار دولية، تعمل في قطاع غزة بموجب تفويض أممي يمنحها تنفيذ مهام محددة، بعيدًا عن السلطة الفلسطينية وتشريعاتها.

أوكل القرار -أيضًا- مهمة تثبيت الاستقرار وعدم تجدد الحرب إلى قوة استقرار دولية، تتشكل تحت إشراف سلطة “مجلس السلام” الانتقالية برئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظل تفويض قانوني خولها بـ “استخدام جميع التدابير اللازمة” للقيام بمهامها المتمثلة بحماية الحدود ونزع سلاح غزة، وحماية المدنيين وتدريب الشرطة الفلسطينية.

وطبيعة الصلاحيات الممنوحة للقوة الدولية تمثل عاملًا حاسمًا لتحديد إن كان القرار صدر تحت الفصل السابع أو السادس، فالأول ملزم لأنه يرتبط بتفويض دولي لتولي مهام فض النزاعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين بالقوة إن اقتضت الحاجة، بينما الثاني غير ملزم، ويختص بتسوية النزاعات بطرق سلمية عن طريق المفاوضات أو الوساطات أو التحكيم، ولا يحتاج إلى تفويض قوى دولية.

ولا خلاف بأن الوضع في غزة ظل مدى عامين من الحرب الإسرائيلية الوحشية “يهدد السلام والأمن الدوليين” كما أن طبيعة الصراع استلزمت إجراءات لفض النزاع تقتضي سلطة تنفيذ لديها تفويضًا قانونيًا دوليًا باستخدام القوة، وهو أمر لا يسمح به في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

يشار هنا إلى أن مجال التفويض الدولي الممنوح لـ “قوة الاستقرار” الدولية المؤقتة في نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وحماية المناطق الحدودية؛ جعل من قوة الاستقرار أداة تنفيذية مفوضة لفرض وضمان الأمن الميداني قبل وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، كما يشار إلى دعوة القرار الدول الأعضاء والمنظمات الدولية إلى تقديم المساعدة الفنية لـ “قوة الاستقرار” والاعتراف الكامل بأعمالها ووثائقها، وكلها أمور تتوافق مع محددات التنفيذ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

حشد أميركي مسبق

استند مشروع القرار الأممي إلى خطة من 20 بندًا، قادها الرئيس دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة في أكتوبر الماضي، وهي الخطة التي تمكنت واشنطن من تنفيذ مرحلتها الأولى المتمثلة بوقف الحرب وتبادل الأسرى، لكنها توقفت أمام عقبات سياسية وقانونية وأمنية كبيرة حالت دون الشروع باستحقاقات مرحلتها الثانية.

قبيل صدور القرار الأممي أطلقت واشنطن مفاوضات داخل مجلس الأمن حول مشروع القرار، شملت أطرافا إقليمية ودولية في مسعى للحصول على تفويض دولي لدعم خطة إنهاء حرب غزة تلزم جميع الأطراف الامتثال لها.

أفلحت المشاورات التي قادتها واشنطن في الأمم المتحدة بتجاوز الكثير من العراقيل، بما في ذلك عقبات الفيتو الروسي والصيني، كما أفلحت في كسب التأييد من الكتلة العربية المؤثرة عن طريق استيعاب مقترحات تعديل جوهرية على نص المشروع، استوعبت المطالب العربية والإسلامية، ولا سيما في التأكيد على الطبيعة “الانتقالية” لمجلس السلام والإشارة إلى “مسار موثوق” نحو الدولة الفلسطينية.

بدت معالم ذلك الدعم واضحة في البيان المشترك الذي أعلنته واشنطن ومعها 8 دول عربية وإسلامية هي: قطر ومصر والإمارات والسعودية وإندونيسيا وباكستان والأردن وتركيا، عشية صدور قرار مجلس الأمن، وأكدت فيه الدول المشاركة دعمها لمشروع القرار ” وتبني الخطة التاريخية الشاملة لإنهاء الصراع في غزة”، خصوصا بعدما أدت التعديلات على مشروع القرار إلى معالجة مطلب فلسطيني أساسي، ويمنح خارطة طريق سياسية مستقبلية للقضية الفلسطينية.

وبالنسبة للعدد من الأطراف العربية والدولية فإن الصيغة التي خرج بها قرار مجلس الأمن كانت مقبولة من حيث إشارتها إلى مسار للدولة الفلسطينية، وتأكيدها على الطبيعة الانتقالية للهيئات الدولية المشكلة التي ستشرف على تنفيذ بنود مراحل اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وشكلت استجابت للمطالب الأساسية للكتلة العربية.

أبرز التحديات المحتملة

علينا الإشارة في البداية إلى أن أي قرار من مجلس الأمن لن يكون قابلًا للتطبيق مالم يوافق عليه الفلسطينيون، وسوى ذلك ليس إلا أمنيات بعيدة عن الواقع.

ورفض حكومة الكيان قيام دوله فلسطينية في أنه قرار تلتزم به كل هياكل حكومة الكيان، وقد عبر عنها مسؤولون بعد صدور القرار الأممي؛ إذ أكدوا عدم موافقتهم على دولة فلسطينية، كما اعتبروا أن قرار مجلس الأمن والطريق نحو الدولة الفلسطينية “مجرد كلام يُقال من باب رفع العتب في قرارات مجلس الأمن”.

وهناك في الواقع حالة انعدام ثقة فلسطينية من التوجهات الأميركية الداعمة للكيان الإسرائيلي والمنفذة لرغباته وتطلعاته، بما يعني ذلك أن “مجلس السلام” لن يعمل بحيادية، ولا سيما تجاه مطالب القوى السياسية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

الأمر ذاته سينسحب بلا شك على آليات تشكيل قوة الاستقرار الدولية” والدول المشاركة فيها وطبيعة مهامها وآليات انتشارها بداخل قطاع غزة، التي جوبهت برفض واسع النطاق من فصائل المقاومة الفلسطينية.

يزيد من ذلك الشروط التي أعلنتها حكومة الكيان بأن تشكل “قوة الاستقرار” من الدول الصديقة واستبعاد الدول ذات التوجهات الأيديولوجية مثل تركيا، التي تعتقد إسرائيل أنها مقربة من حركة “حماس”، كما أن لدى حكومة الكيان شروطا معلنة بأن تبدأ هذه القوات بتجريد غزة من السلاح قبل أي خطوات للانسحاب.

وعلى المستوى السياسي فهناك عقبات كبرى تواجه القرار، تعكسها التحفظات المعلنة من جانب فصائل المقاومة بما حمله من توجهات بدت كأنها مسار لإقصاء السلطة الفلسطينية وفرض الوصاية الأميركية على فلسطين دون مراعاة مطالب الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

والقرار أجاز نهج الإقصاء الذي وضعته خطة ترامب، ولا سيما في صلاحيات ومهام سلطة الحكم الدولية وقوة الاستقرار وآليات نزع السلاح، والمشاركة الفلسطينية المحدودة في استحقاقات مراحل الخطة خلال الفترة الانتقالية وما بعدها.

وقد أثارت قضية إقصاء الفلسطينيين من أي دور خلال المرحلة الانتقالية جدلًا واسعًا على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي، خصوصًا بعد أن استبعد القرار فعليًا السلطة الفلسطينية من القيام بأي دور خلال المرحلة الانتقالية، فارضًا على السلطة الفلسطينية واقعًا جديدًا أبعدها عن دورها الوطني في إدارة الشأن المحلي في قطاع غزة، وعمق بالمقابل من حالة الانقسام بين الضفة الغربية والقطاع.

زاد من تلك الضبابية -التي اتسم بها موضوع الإصلاحات للسلطة الفلسطينية والجدول الزمني الدقيق للإصلاحات المطلوبة -غموض يعزز احتمالات أن يواجه القرار عثرات كبرى تعرقل مسار تنفيذه بما قد يفتح الباب لتمديد الفترة الانتقالية التي حددها القرار لهياكل السلطة والقوة الدولية بعامين.

وثمة إشكالية في المقترحات المقدمة لمجلس الأمن التي لم يتم تضمينها في القرار الأممي بشأن طبيعة الإصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية التي نص القرار على أهمية أن تكون مرضية لمجلس السلام، وهي عبارات مطاطة قد تخضع في المستقبل لشروط تعجيزية من جانب حكومة الكيان التي ستؤثر بلا شك في أي قرارات يتخذها مجلس السلام برئاسة دونالد ترامب في هذا الإطار.

من جهة ثانية فإن قضية نزع السلاح شكَّلت بعد صدور القرار الأممي تحديًا كبيرًا؛ إذ خول القرار الأممي القوة الدولية بمهمة نزع السلاح، التي ستقوم بذلك ضمن مهام أخرى بالتوازي مع الانسحاب الإسرائيلي التدريجي، كما أنه منح القوة الدولية حق الانتشار في قطاع غزة للقيام بمهامها، وهي القضية التي ترفضها كل فصائل المقاومة.

والواضح أن قرار مجلس الأمن استجاب لشروط حكومة الكيان بنزع سلاح حماس أولا قبل أي خطوات لانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، ما يعزز من احتمالات أن مهمة قوة الاستقرار لن يكتب لها النجاح، خصوصا أن أي محاولات ستقوم بها القوة الدولية لنزع سلاح “حماس” بالقوة سيقود إلى صدامات، وربما جولات صراع واسع تشترك فيها قوات الاحتلال، ما يهدد بنسف الاتفاق بالكامل.

وبصورة عامة فإن تبنى إسرائيل وحركة حماس مواقف رافضة أو متحفظة تجاه القرار ينذر بتحديات جوهرية ستحول دون تنفيذ الخطة على الأرض، في حين أن الخلافات بين الأطراف حول تفسير بنوده ربما تخلق عقبات كبيرة قد تعرقل التنفيذ؛ ما يجعل المستقبل السياسي لغزة غامضًا.

 

  • كاتب وباحث سياسي

كاتب