منع التموضع العسكري الأجنبي في أرض الصومال.. إطار سياسة يمنية متعددة المسارات

صراع النفوذ في الصومال 01

أنس القاضي*

ملخص تنفيذي

تتناول هذه الورقة التنافس الدولي والإقليمي المتصاعد على الضفة الإفريقية المقابلة لخليج عدن، خصوصًا في إقليم أرض الصومال، الذي يشهد تحولاتٍ متسارعة في موانئه وبناه الأمنية، تُهدد بإعادة رسم موازين القوة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

وعن طريق تحليلٍ قانوني وسياسي وأمني معمّق، تبيّن أن الاتفاق الإثيوبي–أرض الصومال بشأن منفذ بربرة، والانخراط الإماراتي–الإسرائيلي في تشغيل الموانئ الإفريقية، والدور الأمريكي في تنسيق منظومات الرصد البحري، تشكّل منظومة مترابطة من التهديدات تمسّ الأمن القومي اليمني في أبعاده السيادية والاقتصادية والاستخباراتية.

تحدّد الورقة ستة تهديدات رئيسة مترابطة:

  • التمركز العسكري والاستخباراتي الأجنبي على مقربة من المياه الإقليمية اليمنية.
  • إعادة توجيه الممرات اللوجستية والتجارية بما يقلّص من دور الموانئ اليمنية.
  • العسكرة القانونية عن طريق محاولات إضفاء شرعية أو اعترافات عملية بكيانات انفصالية.
  • تهديدات شبكات التهريب والجريمة المنظمة التي تتقاطع مع المصالح العسكرية والاستخباراتية.
  • التوظيف الاقتصادي للموانئ الإفريقية بما يخدم النفوذ السياسي والعسكري الخارجي.
  • الاختراق التقني– الراداري الذي يهدف إلى مراقبة المجال البحري اليمني، وتقويض قدراته الدفاعية.

وانطلاقاً من هذا التشخيص، تطرح الورقة حزمة من السياسات العامة البديلة، تتوزع بين ستة مسارات مترابطة:

(أ) احتواء قانوني–دبلوماسي متعدد المسارات لتشكيل جدار ردع قانوني يمنع إضفاء شرعية على الوجود العسكري الأجنبي.

(ب) دفاع تشغيلي سلبي؛ لتحييد قدرات الرصد والاختراق عن طريق إجراءات تقنية وتحرك عسكري منضبط.

(ج) تحصين المسار اللوجستي اليمني، ورفع جاذبية الموانئ الوطنية؛ لاستيعاب حركة التجارة والطاقة.

(د) عقد تفاهمات وشراكات “قرن إفريقية” لتفعيل التعاون الأمني والساحلي وضبط التهريب.

(هـ) إدارة الأزمة بما يتيح تعاملاً اقتصادياً مدروساً مع إثيوبيا دون السماح بأي تموضع عسكري.

(و) مكافحة شبكات التهريب بأدوات أدوات قانونية واستخباراتية ومالية منسّقة إقليمياً.

بعد المفاضلة بين البدائل وفق معايير الجدوى، والكلفة، والتأثير، والاستدامة، تُرجّح الورقة حزمة السياسة العامة “الاحتواء التصاعدي المتعدد المسارات” خيارًا استراتيجيًا، يجمع بين الأدوات القانونية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية في إطار تكاملي مرن.

تعتمد هذه السياسة على نهج تصاعدي يبدأ بخطوات وقائية منخفضة التكلفة (المذكرات القانونية، التحالفات المشاطئة، الحملات الإعلامية الاستباقية)، ويتدرّج نحو إجراءات تشغيلية دفاعية واقتصادية أشدّ فاعلية إذا تطلّب الأمر، مع إبقاء خيار إدارة الأزمة في ظل التعايش مسارًا تفاوضيًا احتياطيًا، و”مكافحة الشبكات” مسارًا موازيًا مستمرًا.

تخلص الورقة إلى أن الأمن البحري اليمني لا يعتمد على القوة العسكرية فقط، بل على قدرة اليمن على بناء بيئةٍ إقليميةٍ وقانونيةٍ، تمنع عسكرة القرن الإفريقي وتحوّل البحر الأحمر إلى فضاء تعاونٍ بين الدول المشاطئة.

وتوصي بتبنّي سياسةٍ يمنيةٍ استباقيةٍ ومؤسسيةٍ متعددة الأدوات، تحفظ السيادة الوطنية، وتعيد صياغة العلاقة بين الردع والدبلوماسية، بما يؤسس لمرحلةٍ جديدة من الحضور والفعل الاستراتيجي اليمني في محيطه البحري والإقليمي. 

تمهيد

تتناول الورقة رؤيةً للتعامل مع التحولات الجيوسياسية في الضفة الإفريقية المقابلة لخليج عدن، وخصوصاً في إقليم أرض الصومال، الذي تحوّل إلى مركزٍ لتقاطع مشاريع النفوذ الإقليمي والدولي، بما في ذلك من تأثير في اليمن بحكم موقعه عند بوابة البحر الأحمر.

وتحلل انعكاسات هذه التحولات على الأمن القومي اليمني من زاويتين: جيوسياسية–بحرية تتعلق بإعادة توزيع السيطرة على الممرات الاستراتيجية، وقانونية–سيادية تتصل بمحاولات شرعنة الوجود العسكري والاستخباراتي الأجنبي.

وتهدف الورقة في ختامها إلى استشراف السيناريوهات المستقبلية واقتراح سياساتٍ بديلةٍ توازن بين الردع والدبلوماسية لإعادة تعريف الأمن البحري الإقليمي من منظورٍ يمنيٍّ يحمي المصالح الوطنية، ويمنع عسكرة القرن الإفريقي.

أولا: تحليل المشكلة العامة

شهد إقليم “أرض الصومال” في السنوات الأخيرة تحوّلاتٍ بنيويةٍ جعلته أكثر قابليةً لأن يتحول من كيانٍ محليٍّ إلى منصةٍ إقليميةٍ للخدمات اللوجستية والتموضع الأمني، مع تركيزٍ على توسيع بنية الموانئ (ميناء بربرة) وربطها بمشاريع برّية([1])، وترتيباتٍ تجارية مع مشغّلين دوليين، ما يجعل بعض البنى عرضةً للاستخدام المزدوج (مدني–عسكري).

يميز المشهد تعددية الفاعلين وتداخل مصالحهم (دول خليجية، مشغّلون تجاريون إقليميون، قوى عالمية، كَالولايات المتحدة والصين وتايوان([2])، دول إقليمية طامحة مثل إثيوبيا وتركيا([3]) وقطر([4])، وفاعلون آخرون)، ما يخلق منطقة نفوذ متنافسة، تُعزّز احتمال تحويل الموانئ والمواقع الساحلية إلى عمق لوجستي–استخباراتي خارجي يُستغل للضغط الاستراتيجي على اليمن.

قانونياً برزت محاولات لإضفاء شرعية على علاقات دولية أحادية، قد توفر غطاءً لتطبيع وجودٍ ميداني ولأنشطةَ أمنية أو عسكرية، في حين أن الاستثمارات والاتفاقات التي تتضمن عناصر أمنية أو بناءَ قدراتٍ لخفر السواحل قد تتحوّل إلى أدواتِ ضغطٍ أو قواعد دعمٍ خلفية إذا ارتقت إلى مستوى التعاون العسكري.

تتقاطع هذه التحركات مع تنامي القوة البحرية اليمنية، فتزيد الحافز لتوسيع الكيانات الأمنية الخارجية، مما يخلق نقطةً حرجةً قد تُحوّل الضفة الإفريقية المقابلة لليمن إلى عمقٍ استخباراتي-لوجستي، يقلّص قدرةَ اليمن على فرض سيادته البحرية وإدارة موارده وحمايتها.

هذا التحوّل ليس واقعاً مكتملاً بعد، بل مسارًا متصاعدًا يتطلب قراراتٍ وإمكاناتٍ لتحقُّقه، ويستلزم مراقبةً فنية-قانونية-سياسية دقيقةً من اليمن وصياغةَ استراتيجياتِ احتواءٍ وسبلِ ردعٍ مدروسة.

ثانيا: تحليل التهديدات والتداعيات

1-تحليل التهديدات:

شهدت السنوات الخمس الأخيرة تحوّلاتٍ نوعيةً في بنية النفوذ على الضفة الإفريقية المقابلة لليمن، أعادت تشكيل ميزان الأمن الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن، عن طريق أربعة مساراتٍ مترابطة: إعادة تموضع القوى الخارجية، عسكرة البنية التحتية الساحلية، توسّع الفاعلين الإقليميين الجدد.

تحوّل إقليم أرض الصومال منذ 2018م إلى منصةٍ إقليميةٍ للأمن البحري مع طرح مشروع تطوير ميناء بربرة بتمويلٍ إماراتي عبر موانئ دبي العالمية ([5])، وربطه بممراتٍ بريةٍ نحو إثيوبيا، ما جعله ساحةً مفتوحةً لأطماع قوى كالولايات المتحدة و”إسرائيل”([6])؛ بذريعة حماية الملاحة ومكافحة الإرهاب والتعان والتنمية،.

يتزامن ذلك مع عسكرةٍ متصاعدةٍ للبنية التحتية، وتحويل الموانئ إلى أذرعٍ أمنية، تشمل مدارجَ ومخازنَ وقودٍ وأنظمةَ مراقبةٍ ورادار يُعتقد أنها بتمويلٍ إماراتي–إسرائيلي([7])، بما يجعلها قواعدَ محتملةً لأنشطةٍ معاديةٍ لليمن في ظل تنامي قدراته البحرية ودعمه للمقاومة الفلسطينية.

وفي يناير 2024م، وقع اتفاقٌ بين إثيوبيا وأرض الصومال لاستئجار شريطٍ ساحليٍ لخمسين عاماً مقابل اعترافٍ مبدئيٍّ بحكومة الإقليم([8]) (مجمد حالياً بضغط مصري، ووساطة تركية)، ما سيشكل سابقةً خطيرةً نقلت النزاع المحلي إلى المجال الدولي، وفتحت الباب أمام حدودٍ بحريةٍ جديدةٍ لليمن مع كيانٍ غير معترفٍ بهٍ دولياً.

وفي مقابل المحور الأمريكي–الإماراتي–الإثيوبي (و”الإسرائيلي” غير المعلن)، نشطت مصر([9]) وإريتريا وتركيا وبدعمٍ من جيبوتي لتشكيل محورٍ مضاد([10])، ما جعل خليج عدن وباب المندب مجالاً لتنافسٍ دوليٍّ مفتوحٍ.

نتيجةً لذلك، تغيّر الطابع العام للبحر الأحمر من ممرٍّ تجاريٍّ إلى ساحةِ صراعٍ أمنيٍّ تدار بالردع والتحالفات، ما يجعل أيّ تحوّلٍ في أرض الصومال جزءاً من توازناتٍ إقليميةٍ تمسّ مباشرةً الأمن القومي اليمني.

2- تقييم التهديدات:

تنطوي التحركات في إقليم أرض الصومال على تهديدات مركّبة تنشأ ضمن منافسة إقليمية–دولية، تهدف إلى إعادة هندسة الجيوسياسية والجيو-اقتصاد في مساحة خليج عدن–باب المندب–البحر الأحمر، وتنتج عنها ستة تهديدات رئيسة متداخلة تمسّ بنية الأمن القومي اليمني.

التهديد الاستخباراتي–الاستطلاعي:

يمثل محاولات الولايات المتحدة والإمارات و”إسرائيل” إنشاء بنية مراقبة إلكترونية على الضفة الإفريقية؛ لجمع معلومات عن التحركات البحرية والدفاع الساحلي اليمني، وتهيئة الأرضية لإدارة بحرية مشتركة بذريعة تأمين الممرات. تقارير غربية تشير إلى منظومات رادار واتصالات في بربرة وبوصاصو بتمويل إماراتي وإشراف تقني إسرائيلي، مثل (ELM–2084) بمدى تغطية واسع([11]).

التهديد العسكري والتموضع البحري:

يتجسّد في تحويل سواحل الإقليم إلى قواعد دعم عسكري ولوجستي (مدارج طائرات، مرافق تزوّد بالوقود)، مع توسع ميناء بربرة منذ 2018م ووجود تموضع إماراتي–إسرائيلي يُعيد هندسة النفوذ في البحر الأحمر، ويقيد قدرة اليمن على مد نفوذها البحري.

التهديد اللوجستي–الملاحي:

هناك إشارات إلى إمكانية تحويل خطوط الملاحة والتجارة والطاقة بعيداً عن الموانئ اليمنية عن طريق موانئ بديلة في أرض الصومال ([12])، مرتبطة بعمق إفريقي وتمويل إماراتي–أمريكي، ما يعزل اليمن اقتصادياً، ويقوّض الدور الاستراتيجي لموانئه (خاصة عدن).

تهديد التهريب:

هناك خطورة في تحول موانئ القرن الإفريقي – وخصوصا أرض الصومال – إلى مراكز عبور لتهريب السلاح والوقود والمخدرات والبشر نحو اليمن، مستفيدة من فجوات قانونية (فأرض الصومال بدون التزامات دولية) وغطاء سياسي للنفوذ الإماراتي والاهتمام الأمريكي–الإسرائيلي، ما يتيح بناء شبكات تمويل ومجموعات مسلحة تعمل خارج رقابة قانونية. مستوى الخطورة: مرتفع.

التهديد القانوني–السيادي:

يتجسّد في مساعي فرض واقع قانوني جديد عبر اعترافاتٍ تدريجية بأرض الصومال (انطلاقاً من اتفاق يناير 2024م مع إثيوبيا) والدعوات الأمريكية ([13])، ما يسهّل تقنين الوجود الأجنبي، ويضعف الحجة القانونية اليمنية. مستوى الخطورة: مرتفع للغاية.

التحليل العام:

تتفاعل هذه التهديدات كمنظومة واحدة تخدم محوراً أمريكياً–إماراتياً–إسرائيلياً: الاستخباراتي يمهّد للتموضع العسكري، والتموضع يوفر الغطاء للتحوّل اللوجستي–الجيو-اقتصادي، أما الشرعنة القانونية فتعطي إطاراً شكلياً لهذا الواقع، بينما يعمل التهريب والتدفقات غير الرسمية على إرهاق الداخل اليمني. النتيجة: إعادة تشكيل البيئة البحرية المحيطة باليمن بما يضرّ بسيادته وأمنه القومي.

ثالثا: تقدير السيناريوهات المحتملة

سيناريو 1التفعيل العسكري الكامل (قاعدة دائمة في بربرة):

الفاعلونُ المحتملون: أرضُ الصومال (السلطة المحلية)، والإمارات، والولايات المتحدة، و”إسرائيل” (تعاون استخباراتي/لوجستي).

الأفعالُ التي تُحوّلُ السيناريو إلى واقعٍ: توقيعُ اتفاقيةٍ لاستضافةِ قاعدةٍ عسكريةٍ دائمةٍ أو “مركز دعم لوجستي” في بربرة، تمركزُ سفن دوريةٍ وأنظمة رادار طويلةِ المدى، إقامةُ مرافقِ إمدادٍ للطائراتِ المسيرة.

الأثرُ: تمكُّنُ قوىٍ أجنبيةٍ من إجراءِ عملياتٍ جوية-بحريةٍ سريعةٍ ضد أهدافٍ يمنية، كشفُ التحركاتِ العسكريةِ اليمنية، وفرضُ ضغطٍ استراتيجيٍّ على السواحلِ الجنوبيةِ والغربيةِ لليمن.

الإطارُ الزمني: متوسّطُ المدى إذا توافرَ الدعمُ السياسيُّ والتمويل.

مؤشراتُ الإنذار (لِمَعرفةِ مدىِ المضيِّ في السيناريو): توقيعُ مذكراتِ تفاهمٍ عسكرية، وصولُ معداتٍ عسكريةٍ كبيرة، زياراتٌ رفيعةُ المستوىِ لقادةٍ عسكريين، صورٌ فضائيةٌ تُظهِرُ إنشاء بنى تحتيةٍ عسكرية.

سيناريو 2 نقل آليات التفتيش:

الفاعلون المحتملون: الولايات المتحدة، الإمارات، بريطانيا، سلطات أرض الصومال، والأمم المتحدة.

الأفعال التي تجعله واقعاً: إبرامُ اعترافٍ عمليٍّ أو اتفاقياتٍ ثنائيةٍ تمكّن سلطات أرض الصومال، مع نقلِ آليةِ تفتيش السفن المتجهة إلى البحر الأحمر من جيبوتي إلى بربرة، وتنفيذُ السيناريو مشروطٌ بتبدّل التفويض الدولي أو إنشاء آليةٍ موازية؛ نظراً لتحفّظ الأمم المتحدة على أيّ إجراءٍ يُعدّ اعترافاً بالإقليم.

الأثر: تشديدُ الحصارِ البحريِّ على اليمن، خصوصاً على موانئ الحديدة، وتوسيعُ نطاقِ السيطرة الأجنبية على خطوط الإمداد البحري.

الإطار الزمني: قصيرُ المدى؛ إذ لا يتطلّب تنفيذه سوى قرارٍ دوليٍّ أو إعادة تفويض.

مؤشرات الإنذار: مناقشاتٌ داخل مجلس الأمن بشأن آلية التفتيش، واتصالاتٌ دبلوماسيةٌ متزايدةٌ مع سلطات أرض الصومال.

سيناريو 3بناء ممر لوجستي–طاقة بديل (استنزاف اقتصادي طويل الأمد):

الفاعلون المحتملون: الإمارات وإثيوبيا بدعم غربي.

الأفعال التي تجعله واقعاً: تسريعُ تشغيل ميناء بربرة، وربطُه بسكةِ حديدٍ إلى إثيوبيا، وتقديمُ حوافزٍ لخطوط الشحن وشركات التأمين، وإنشاءُ مناطقٍ حرةٍ ومحطاتِ طاقةٍ تربط موارد شرق إفريقيا بالميناء.

الأثر في اليمن: تآكلٌ تدريجيٌّ ودائمٌ في حصة الموانئ اليمنية من حركة الشحن والطاقة، وفقدانُ إيراداتٍ ومكانةٍ استراتيجيةٍ مستقبليةٍ عند استئناف النشاط في الحديدة وعدن.

الإطار الزمني: طويلُ المدى؛ نظراً لاعتماده على تنفيذ مشاريع بنى تحتية كبرى.

مؤشرات الإنذار: تطويرُ ميناء بربرة، وإعادةُ تفعيلِ اتفاقية 2024م بين إثيوبيا وأرض الصومال، وتوقيعُ عقودٍ لسككِ حديدٍ أو تمويل مشاريعٍ بريةٍ تربط الإقليم بالعمق الإفريقي.

سيناريو 4تمكين شبكات الجريمة المنظمة:

الفاعلون المحتملون: عصاباتٌ وشبكاتُ تهريبٍ وشركاتُ أمنٍ خاصة، بدعمٍ سياسيٍّ ولوجستيٍّ من جهاتٍ خارجية.

الأفعال التي تجعله واقعاً: استخدامُ موانئ أرض الصومال قواعد عبورٍ لأسلحةٍ وممنوعاتٍ إلى المحافظات اليمنية، استغلالُ خطوط النقل والتسجيلات التجارية لتبديل محتوى الشحنات، تجنيدُ جواسيسَ من المهاجرين الأفارقة، وتغطيةُ النشاط بشركاتٍ أمنيةٍ وتجاريةٍ واجهة.

الأثر في اليمن: تدفّقُ أسلحةٍ متطورةٍ وموادّ لوجستيةٍ إلى فصائلَ معادية، وتسلّلُ عناصرَ استخباراتيةٍ إلى الداخل اليمني، بما يهدّد الأمنَ الداخليَّ ويعمّقُ الفوضى.

الإطار الزمني: فوريٌّ؛ لكونه نشاط سري يدخل ضمن أدوات حروب الجيل الخامس، ولا يتطلب إعلان حربٍ أو علاقاتٍ رسمية.

مؤشرات الإنذار: رصدُ حمولاتٍ مشبوهة، تزايدُ نشاطِ شركاتٍ أمنيةٍ خاصة، ضبطُ سفنِ تهريب، وورودُ تقاريرَ استخباراتيةٍ محليةٍ عن تحركاتٍ غير طبيعية.

سيناريو 5التصعيد السياسي عن طريق تحالف إثيوبي–صومالي:

الفاعلون المحتملون: إثيوبيا (بدعمٍ سياسيٍّ من الإمارات)، سلطاتُ أرض الصومال، والولايات المتحدة.

الأفعال التي تجعله واقعاً: توقيعُ اتفاقاتٍ مؤسسيةٍ تمنح إثيوبيا حضوراً رسميّاً في أرض الصومال، وإنشاءُ طريقٍ بريٍّ إماراتي–غربيٍّ يربط الميناء بالعمق الإثيوبي، بديلاً لطريقِ جيبوتي–إثيوبيا الذي تديره الصين.

الأثر في اليمن: تحوّلُ المنافسة إلى منافسةٍ إقليميةٍ مباشرة، تُهمّش الدور اليمني، وتُزيح ميناء عدن عن موقعه الاستراتيجي لمصلحة ميناء بربرة، ما يُضعف الوزن الاقتصادي والجيوسياسي لليمن في البحر العربي وخليج عدن.

الإطار الزمني: متوسّطُ المدى، ويتوقفُ على إتمام صفقات الاستئجار والاعتراف المتبادل.

مؤشرات الإنذار: توقيعُ عقودِ استئجارٍ طويلة الأمد، تصاعدُ التعاونِ العسكري–الاقتصادي بين إثيوبيا وأرض الصومال، وصدورُ بياناتٍ سياسيةٍ حول تغييرِ وضعية الضفة الإفريقية المقابلة.

سيناريو 6عمليات استخباراتية وتقنيات مراقبة:

الفاعلون المحتملون: إسرائيل والولايات المتحدة (شبكات استخباراتية).

الأفعال التي تجعله واقعاً: نشر منظومات رصد متقدمة وراداراتٍ بعيدةِ المدى، وربطها بمراكزٍ استخباراتيةٍ خارجية، واستخدامُ بياناتِ المراقبةِ لتوجيهِ ضرباتٍ سيبرانيةٍ أو إلكترونيةٍ ضد شبكات الاتصالات والملاحة اليمنية.

الأثر في اليمن: إضعافُ قدرات القيادة والسيطرة اليمنية في البحر الأحمر، انكشافُ النشاط العسكري البحري لليمن، والتعرُّضُ لهجماتٍ سيبرانيةٍ تؤثر في الاتصالات والملاحة والأمن المعلوماتي.

الإطار الزمني: قابلٌ للتنفيذ فوراً حالَ توفرِ أنظمةِ رصدٍ وراداريةٍ وربطِها بشبكاتِ استخبارات.

مؤشرات الإنذار: تقاريرُ عقودِ أنظمةِ رادارٍ، أنباءٌ عن نشاطاتٍ استخباراتية، شكاوى من تشويشٍ على الاتصالات البحرية، رصدُ نشاطٍ إلكترونيٍ غير طبيعي، وتقاريرُ مصادر استخباراتيةٍ محلية.

وإجمالا لما سبق، تبين هذه السيناريوهات أنّ الخطر لا يقتصر على فعلٍ واحد، بل على مجموعة سياسات وأدوات (قواعد، علاقات، بنى تحتية، شبكات تهريب، تقنيات رصد) قد تُطبّق بالتوازي أو تسلسلياً أو جزء منها، وكل سيناريو يقدّم مجموعة مؤشرات إنذار مبكّرة يمكن لليمن متابعتها لتعرف مدى التقدم في كل سيناريو، وتحضر لسياسة مواجهة.

رابعاً: خيارات السياسة العامة والسياسة المرجّحة

تهدف الورقة إلى اقتراحِ مجموعةِ سياساتٍ عامةٍ بديلةٍ للحكومةِ اليمنيةِ للتعاملِ مع تهدُّدِ التموضعِ العسكري والاستخباراتي الأجنبي على الضفة الإفريقية المقابلةٍ لخليجِ عدن، وتنوّعت البدائلُ بين دبلوماسيةٍ وقانونيةٍ وتشغيليةٍ وأمنيةٍ وجيواقتصاديةٍ وإقليميةٍ تفاوضيةٍ:

الخيار (أ) — الاحتواء القانوني–الدبلوماسي المتعدد المسارات

بناءُ حائطٍ صدٍّ قانوني وسياسي عن طريق ائتلافٍ للدولِ المشاطئة ودعمٍ دولي/إقليمي، يتضمن: مذكراتٍ رسميةٍ تمنع إنشاء قواعدَ عسكرية دائمة في أرض الصومال، وبناء تصور أمني موحَّد لربط أمن البحر الأحمر–خليج عدن، وعقد مؤتمر إقليميً لمناقشة الطابع المزدوج للبنى المدنية، ورسائل قانونية للأمم المتحدة والمنظمات البحرية.

الخيار (ب) — الدفاع التشغيلي السلبي

إجراءات عملية تقلّل قدرةَ الرصد البعيد للخصم عن طريق إدارةِ الاشارات الكهرومغناطيسية للبحرية اليمنية، اعتماد مسارات إبحار متغيرة، شبكات لرصدٍ الخصم، بناء قدرات تشويش، انضباطٍ بحري صارم.

الخيار (ج) — تحصين المسار اللوجستي الوطني

تعزيزُ جاذبيةِ الموانئِ اليمنيةِ تنافسياً عبر حوافز تأمينية، رسوم مناولة تنافسية، تطوير الربط البري وخدمات الموانئ، اتفاقات عبور مع شركات الطاقة والنقل، وتشجيع استثماراتٍ وطنيةٍ في الخدمات المينائية.

الخيار (د) — شراكات القرن الإفريقي:

تعاونٌ إقليميٌّ لتعزيز الأمن البحري ومكافحة التهريب عبر مشاريع سواحل مشتركة، تبادل معلومات، تدريبات مراقبة ساحلية، مذكرات تفاهم تمنع الاستخدام العسكري في نطاق بربرة–بوصاصو، استثمار مظلّة الاتحاد الإفريقي والمنظمات البحرية لشرعنة الاتفاقات.

الخيار (هـ) — التعايش المُدار المشروط:

قبولٌ محدودٌ ومشروطٌ للوصول التجاري الإثيوبي ضمن اتفاقٍ إقليميٍ، يضمن الاستخدامَ المدنيّ للميناء مع آلية رقابة مستقلة وتدابير ردع تلقائية عند الانتهاك.

الخيار (و) — مكافحةُ شبكاتِ التهريبِ والحربِ الرمادية:

استهدافُ البنى الخفيّة الداعمة للعسكرة عن طريق جمعٍ وتحليلٍ استخبارِيٍّ مشترك، تعاونٍ مع أجهزةٍ إقليمية، وإجراءاتٍ قانونية ومالية ضدّ الكيانات الوسيطة وشركات الواجهة.

جدول مقارنة البدائل

الخيار الطبيعة الجدوى التكلفة الأثر المخاطر المدى الزمني
(أ) احتواء قانوني دبلوماسي–قانوني عالية منخفضة–متوسطة استقرار شرعي وردع سياسي تباين المواقف الإقليمية قصير–متوسط
(ب) دفاع سلبي أمني–عملي متوسطة متوسطة خفض فاعلية الاستخبارات المعادية الحاجة لتقنيات وتدريب متوسط
(ج) لوجستي اقتصادي–تنموي متوسطة–عالية متوسطة تعزيز جاذبية الموانئ قيود مالية متوسط–طويل
(د) شراكات إفريقية دبلوماسي–أمني متوسطة منخفضة تكوين شبكة مصالح مانعة للعسكرة هشاشة الثقة متوسط
(هـ) تعايش مُدار تفاوضي–قانوني متوسطة منخفضة تهدئة التوتر الإقليمي استغلال الاتفاق سياسياً قصير
(و) مكافحة الشبكات أمني–استخباراتي متوسطة متوسطة تجفيف التمويل والإمداد المعادي مخاطر سياسية مستمر

 السياسة المرجّحة — “احتواءٌ تصاعديٌّ متعدِّدُ المسارات”

بعد تقييم البدائل السابقة وفق معايير الجدوى، التكلفة، والفاعلية في الحفاظ على السيادة الوطنية مع أدنى درجات التصعيد، تبرز الحزمة المرجّحة التي تجمع بين البدائل (أ + ب + ج) ركائز أساسية، وتستعين بعناصر من (د ، هـ ، و) كمسارات داعمة أو احتياطية.

أ. مكوّنات الحزمة المرجّحة

الركيزة الأولى: الاحتواء القانوني–الدبلوماسي:

ترسيخ شبكة التفاهمات والمذكرات بين الدول المشاطئة، وتثبيت الوضع القانوني لعدم عسكرة الموانئ في المحافل الدولية.

النتيجة: تحصين الإطار الشرعي الإقليمي لوجود العسكري.

الركيزة الثانية: الدفاع التشغيلي السلبي المضاد للرصد:

إجراءات منضبطة لتقليل قابلية الرصد المعادي.

النتيجة: إضعاف قدرات المراقبة الخارجية دون أي تصعيد عسكري.

الركيزة الثالثة: تحصين المسار اللوجستي الوطني:

تطوير الموانئ اليمنية وربطها بالمصالح التجارية العالمية؛ لجعلها محور استقرار اقتصادي.

النتيجة: تحييد الممرات البديلة وتعزيز العائد السيادي.

ب. الأدوات المساندة:

  • شراكات القرن الإفريقي: تعاون أمني وساحلي مشترك وتبادل معلومات استخبارية.
  • التعايش المُدار (احتياطي): يُفعّل في حال تصاعد التوتر لضبط الموقف السياسي.
  • مكافحة الشبكات (مسار دائم): استهداف مستمر لشبكات التهريب والتمويل المعادي.

ج. آليات التنفيذ

لجنة العليا: تضم وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والنقل والمخابرات.

الخلاصة:

تمثل الحزمة المرجّحة الاحتواء التصاعدي المتعدد المسارات الخيار الأكثر توازناً واستدامة؛ إذ تجمع بين الردع القانوني والتحصين الاقتصادي والمرونة السياسية، بما يمكّن اليمن من حماية مصالحه البحرية والسيادية بفاعلية، وبتكلفة منخفضة، وضمن إطار قانوني إقليمي ودولي راسخ.

ويقاس نجاح هذه السياسة بقدرة اليمن على تحويل موقعه الجغرافي إلى مركز توازنٍ استراتيجي، واستثمار أدواته القانونية والاقتصادية والدبلوماسية؛ لتعزيز الردع البحري وصون استقلال قراره الوطني في مواجهة مشاريع الهيمنة الخارجية، وبناء بيئةٍ إقليميةٍ آمنةٍ ومستقرةٍ تمنع عسكرة القرن الإفريقي، وتحوّل البحر الأحمر إلى فضاء تعاونٍ للدول المشاطئة.

___________________

*كاتب وباحث سياسي

المصادر:

[1] حيدر الموسوي، «الإمارات تنشئ سكة حديد بين بربرة وإثيوبيا: هل يهدد مصر؟»، موقع المنشر، 25 يونيو 2025م، متاح على: https://elmanshar.com/

[2] عباس الزين،” تايوان تدخل القرن الأفريقي: “أرض الصومال” ساحة جديدة لصراع بكين وواشنطن”، موقع ذا كارديل عربي، 25 أغسطس 2025م، متاح على : https://thecradlearabic.com/

[3] عبد القادر محمد علي، ” “إعلان أنقرة” لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة”، موقع الجزيرة، 25 ديسمبر 2024م، متاح على : https://www.aljazeera.net/

[4] الشافعي ابتدون، ” عن مغزى زيارة رئيس أرض الصومال الدوحة”، موقع العربي الجديد،10 يوليو 2025م، متاح على: https://www.alaraby.co.uk/

[5] “اتفاقية شراكة بين ” موانىء دبي العالمية ” و” أرض الصومال ” وأثيوبيا في ميناء بربرة”، وكالة أنباء الإمارات، 1 مارس 2018م، متاح على: https://www.wam.ae/ar

[6] سارة النيادي، ” احتمالات الاعتراف الأمريكي باستقلالية أرض الصومال: الدوافع والانعكاسات”، تريندز للبحوث والاستشارات، 13 ابريل 2025م، متاح على: https://trendsresearch.org/

[7] Oscar Rickett, “How the UAE Built a Circle of Bases to Control the Gulf of Aden,” Middle East Eye, 2 October 2025. Available at: https://www.middleeasteye.net

[8] د. أحمد عسكر، “قراءة أولية في اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال “، مركز الأهدارم للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15 يناير 2024م، متاح على: https://acpss.ahram.org.eg/

[9] محمد ابو بكر،” الجيش المصري يستعد لنشر قواته في الصومال… ما الخلفيات؟”، موقع اندبنت عربية، 9 سبتمبر 2025م، متاح على: https://www.independentarabia.com/

[10] إبراهيم مصطفى، ” مصر تستخدم “التحالفات” لمحاصرة إثيوبيا دبلوماسيا وعسكريا”، موقع اندبنت عربية، 1 أكتوبر 2024م، متاح على: https://www.independentarabia.com/

[11] “How the UAE Built a Circle of Bases to Control the Gulf of Aden” مصدر سابق

[12] Thoraya Abdullahi, “Can Somaliland’s Berbera Port Anchor African Trade Security?” The National, 25 July 2025. Available at: https://www.thenationalnews.com/.

[13] Ted Cruz, “Sen. Cruz Calls for U.S. Recognition of Somaliland,” Official Website of Senator Ted Cruz, 14 August 2025. Available at: https://www.cruz.senate.gov/.

 

كاتب