طالب الحسني*
ملخص تنفيذي
لم تكن “الديمقراطية ” والتعددية الحزبية والسياسية الطريقة الصحيحة لمعالجة عراق ما بعد الغزو الأمريكي مطلع الألفية الثالثة 2003، فضلا عن إصحاحه من قرابة 4 عقود من حكم البعث.
وبعيدا عن الصيغة التي شاركت فيها الانتخابات منذ 2003، فإن العراق تشكل خلال العقدين الماضيين بما يجعل الانقسامات والنزاع الداخلي وعدم الاستقرار السياسي نتيجة متوالية تتطابق مع الاستراتيجية الأمريكية للحفاظ على الهيمنة المطلقة.
وفي الأعوام الأخيرة أضافت واشنطن معها دولاً عربية وإسلامية لإشراكها في ضرب المساحة التي انتزعت لبناء الدولة المستقلة القوية.
تمهيد
إن الانتخابات والتنافس للوصول إلى السلطة لا يمكن رؤيتها وقياسها بمعزل عن دراسة التأثير الأمريكي والغربي فيها، ولا يتعلق الأمر بالتأثير المباشر ونسب الأوراق التي توضع في صناديق الاقتراع أو بالنظام الانتخابي المعتمد، وإنما التأثير عن طريق التدخل في تشكيل الحالة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بشكل كامل.
وتشكل الانتخابات انعكاسا سطحياً وظاهرياً لمتغيرات جوهرية عميقة يجري التعبير عنها بأشكال متعددة، نتائج الانتخابات وما بعدها والفروق بين جولة وأخرى صورة منعكسة منها، وليست كل شيء؛ إذ إن التأثير الأمريكي يمكنه أن يظهر في الخلاف العراقي الداخلي تجاه الكثير من القضايا، وخصوصا تلك المرتبطة بالسياسة الخارجية.
الانتخابات البرلمانية المقررة في 11-11 المقبل تأتي وسط شبه إجماع على أهميتها وعلاقتها بالتحولات القائمة في “غرب آسيا”.
يعكس التنافس الانتخابي بوصفه ميدانا تجريبيا ثلاث ظواهر تشكل تهديداً كبيراً للعراق، وربما جيرانه في المراحل المقبلة، تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في صناعتها والتدخل للحفاظ عليها، هذه الظواهر الثلاث محور الورقة:
- تعقيدات السيطرة على التفكك الشيعي الشيعي.
- تمدد (شيطنة الجمهورية الإسلامية في إيران).
- تشكيل نمط حديث من الليبرالية والعلمانية واللا دينية يدخل الميدان السياسي.
الأمل الممنوع:
خلال الـ 12 عاماً الماضية على الأقل أفرزت الانتخابات البرلمانية العراقية استعدادات “نخبوية” دينية وسياسية تقليدية وحديثة، في توسيع وتسريع الانقسام الشيعي الشيعي، وقد بلغت ذروتها قبل الانتخابات البرلمانية 2018، وأثناءها وبعدها.
صحيح أنها اختفت على إثر الاتفاق في تشكيل حكومة كفاءات وطنية مدعومة من التيار الصدري (الحلقة الأوسع في الصراع)، وتحولت إلى نقطة مضيئة، لكنها سرعان ما انتكست إلى نفق مظلم، وهو ما يؤكد أن التفكك الشيعي الشيعي لا يرتبط فقط بالتنافس الانتخابي، بل بما هو أعمق، كطريقة الحكم ونوع التحالفات الإقليمية والدولية، وصولا إلى مساحة الاستقلال السياسي والاقتصادي التي يفترض أن يحصل عليها العراق.
لقد كان التوافق على حكومة كفاءات تتجاوز نتائج الانتخابات، خطوة إيجابية تمكن رئيس الحكومة // الدكتور عادل عبد المهدي من ترجمة ذلك في مدة زمنية قصيرة وظروف ضاغطة، عندما بدأ بوضع العراق أمام توسيع العلاقات الخارجية، بعيدا عن تحكم واشنطن.
لهذا السبب وأسباب أخرى أطيح بها عن طريق احتجاجات تشرين الأول والثاني/ أكتوبر ونوفمبر 2019، التي لم تكن عفوية التخطيط والتوقيت والأهداف والنتائج، وإن كانت عفوية المطالب والمشاركة الشبابية والشعبية.
حكومة عبد المهدي، واحتجاجات تشرين، وردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية، دائرة مهمة أنتجت مرحلة جديدة لا تزال ممتدة حتى الآن، وتركت تأثيرات انسحبت في انتخابات 2022 والانتخابات القادمة نوفمبر 2025، ولكنها كانت قادمة من صيرورة الأداء السياسي للمكونات العراقية وتأثير التدخلات الخارجية فيها.
إن سقوط البصرة ومناطق واسعة من العراق بيد تنظيم “داعش” وما ترافقت من مذابح جماعية وإعدامات مروعة على غرار |إسبيكر (إعدام جماعي لطلاب كلية عسكرية)، مرورا “بسبي” عشرات الفتيات من الأزيديات، وصولا إلى انتهاكات وتصفيات جسدية طوال عامي 2014 وجزء من 2015؛ بمقام تسريع عكسي لتغيير مسار اتجاه الدولة العراقية.
لقد أدرك الشعب العراقي بمختلف انتماءاته أن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ، وقبيل أن تصل “داعش” إلى بغداد، شوهدت المرحلة الجديدة تبدأ من النقطة الصحيحة والضرورية، القتال لهزيمة “داعش” وتحرير المدن التي سقطت.
أن يكون ذلك بدعم من الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الجنرال الشهيد قاسم سليماني، وقيادات عراقية أبرزهم الشهيد أبو مهدي المهندس (أغتيلا معا في العام 2020)، فهي مسألة تقررها الكثير من الاعتبارات بينها الجوار، الأمن القومي المشترك، بينما رأته الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية يتعارض مع استراتيجية منع العراق من الإفلات عن قبضتها.
لم تكن واشنطن قادرة على معارضة ثورة العراقيين لتحرير بلادهم، ولذلك أرجأت فعل ذلك، ودعمت مشاركة “التحالف الدولي” في القتال ضد داعش (هناك شكوك عراقية كبيرة في الجهد الأمريكي)
كان للحشد الشعبي الذي تشكل لهزيمة “داعش” وتحرير القرار، الدور الأكبر في استعادة المدن العراقية، أدى ذلك إلى تحول كبير لا يتناسب مع الخطط الأمريكية؛ لهذا جاءت الانتخابات البرلمانية العراقية في 2018 في ضوء:
- انتصار كبير أسهمت به الجمهورية الإسلامية في إيران.
- دعم شعبي واسع للمكونات التي أسست الحشد الشعبي.
- التوافق على حكومة كفاءات بعيدة عن أجندات الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذه الحالة الأكثر تطابقا مع تطلعات الشعب العراقي لجهتين:
- مواجهة الفساد المالي والإداري وطريقة إدارة الدولة.
- مواجهة النفوذ الأمريكي الذي يمنع خروجها من القيود الأمريكية العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
في الواقع مَثَّل هذا التوجه – بالإضافة إلى المطالبات المتصاعدة بانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية ثورة تحرير أوسع من تلك التي حققت انتصارا كبيرا، لاسيما أنه جاء في توقيت أعدّته واشنطن وعواصم أوروبية وعربية وإسلامية، مخاضا لتشكيل المنطقة بالطريقة التي تعزز النفوذ الغربي وليس العكس.
يمكن القول: إن النخب العراقية الدينية والسياسية والاجتماعية تجاهلت أهمية أن تتشكل مرحلة تعارض المخطط الأمريكية وتحمل أهداف متناقضة معه، بينها التحرر من الهيمنة شبه المطلقة، كما أنها تجاهلت التحرك الأمريكي الذي أدرك ضرورة أن يتدخل بمسار جديد للتعامل مع العراق، ومسار غير تقليدي يقوم على الضغوط السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، كما كان يفعل طوال المراحل السابقة.
اختلقت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع دول عربية بينها السعودية والإمارات أزمتين ومؤامرتين:
الاولى//سحب العراق إلى أزمة اقتصادية كانت متوقعة، ولكن لمدة قصيرة بسبب موجة إصلاحات رأتها حكومة عادل عبد المهدي، بينها الانفتاح على بكين وموسكو وعواصم أخرى.
الثانية// ترتيب احتجاجات تشرين التي قادت بعد ذلك إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي (انهارت الحكومة ليس بسبب توسع الاحتجاجات، وإنما بسبب انقلاب موقف المرجع الصدر والتيار الذي يقوده من تأييدها إلى المطالبة بإسقاطها).
أما الأخطر فقد كان تشكيل جبهات متعددة للشروع في المؤامرتين:
- دفع العراق إلى حرب أهلية غير مسبوقة ولم تكن متوقعة، بدأت بافتعال هجمات متبادلة مع الحشد الشعبي، لا حقا توسيع ذلك إلى صدام مع التيار الصدري، كان للشهيدين سليماني والمهندس دور محوري في تلافيه.
- الثانية: تشكيل حكومة عراقية بديلة تحمل برنامجا يؤدي إلى حل الحشد الشعبي وسحب سلاحه ومواجهة ما يطلقون عليه النفوذ الإيراني، لكن بسبب أغلبية برلمانية مريحة داعمة للحشد الشعبي لم يمر هذا المخطط، على أن اختيار مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة شكل تراجعاً عن المسار الذي كان قد بدأ في الحكومة السابقة.
ومع القدرة على تجنب الأخطر، سجلت كل التطورات السابقة إنجازات استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
ضمن هذه الظروف أرادت إدارة ترامب – وسط التوتر الكبير مع الجمهورية الإسلامية في إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 – أن تختار العراق للإقدام على الخطوة الأخطر حين نفذت عملية اغتيال للجنرال الإيراني قاسم سليماني والقائد العراقي المهندس في الأيام الأولى من يناير كانون الثاني 2020 في محيط مطار بغداد الدولي.
مرة أخرى كانت النخب الدينية والسياسية والاجتماعية العراقية أمام اختبار جديد أكد أنها استمرت في تجاهل السلوك الأمريكي الذي يتجاوز النفوذ إلى اختطاف السيادة على القرار والمصير وتحديد المستقبل، وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك لإشعار العراق وإيران بإنها تستطيع فعل الاّتي:
- إحباط أي تغيير يستهدف نفوذها ويحقق الاستقلال العراقي الكامل.
- لن تسمح بمرور أي تشكيلة حكومية من دون الموافقة عليها.
- إمكانية أن تسحب البلاد إلى حرب داخلية أهلية ليس فقط طائفية سنية شيعية، وإنما شيعية شيعية.
إن الخلافات الشيعية الشيعية قائمة، وتعود في الأساس إلى تعدد المرجعيات الدينية دون المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، ويعني ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تضيف جهداً ثانوياً ينطلق من استخدام التفكك الداخلي لخدمة أجنداتها واستراتيجيتها.
وإن دخول المرجعيات إلى العمل السياسي على هيئة مكونات بل وأسر تقليدية حتى لو كانت في كثير من الحالات ضمن ما يعرف بالقوائم الموحدة، أسهم في توسيع الخلافات والصراع ونقله من تقليد المرجع دينياً إلى تبعيته سياسياً.
هذه التفصيلة التي ربما بدت في السنوات الأولى التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق 2003 مجرد طريقة للوصول إلى التمثيل في البرلمان، باتت الآن من إشكالات السيطرة على التفكك الشيعي الشيعي، وبالضرورة تعقيدات السيطرة على النفوذ الأمريكي.
أنتجت جولات متكررة من الانتخابات البرلمانية العراقية طبقات من الصراع والتباين بين مكونات وأحزاب شيعية شيعية، يستند الوصول إلى البرلمان والفوز في الانتخابات إلى دعاية عمقت الانقسام الشعبي، ويمكن رصد ذلك في الدعاية الانتخابية للمرشحين والقوائم، تطورت إلى نموذج التيار الصدري الذي يقوم برنامجه الدعائي على شيطنة الجمهورية الإسلامية في إيران، وقبل ذلك شيطنة جميع القوى الأخرى على الساحة العراقية.
يضاف إلى ذلك تيار الشيرازية الذي ينشط في العراق وبعض دول الخليج بينها الكويت والبحرين (لا يجري مضايقته أمريكيا)، ومعه على الطريقة نفسها مجموعة واسعة من الشخصيات الشيعية التي تتخذ من لندن مقرا لنشاطها الإعلامي والسياسي.
يعتمد جميع هؤلاء على خطاب متشدد يضرب الوحدة الإسلامية، ويحرض على الطائفية بطريقة ممنهجة؛ تهدف إلى استمرار الانقسام الشيعي السني، وهي واحدة من التعقيدات التي تواجه الجمهورية الإسلامية وتواجه محور المقاومة.
إذا أخذنا المدة السابقة من العام 2018 حتى الآن 2025 (نستثني الانتخابات الحالية إلى الجزء الأخير من الورقة)، واعتبرنا أنها عبارة عن صراع بين مرحلتين الأولى كانت تؤسس لتحول استراتيجي في العراق يقف على إنجازات كبيرة، ومرحلة ثانية مضادة للأولى تؤسس إلى عودة حتمية إلى ما وراء النفوذ الأمريكي، يمكن أن نستنتج الاّتي:
- انتصار العراق في معركة دحر “داعش”، التي استغرقت سنوات من 2014- 2017 عن طريق تأسيس الحشد الشعبي العراقي (من جميع المكونات بما في ذلك المكونات الكردية).
- الشراكة الأقوى مع الجمهورية الإسلامية في إيران لاعتبارات استراتيجية لا يمكن إسقاطها.
- فرضت انتخابات 2018 ووجود الحشد الشعبي وضمه للجيش رافداً عسكرياً وأمنياً بداية واعدة لطرد الوجود الأمريكي والاجنبي وإغلاق أهم قواعده في المنطقة.
- كانت هذه الخطوة تعزز طرده من سوريا، وتفتح أبواب التحرر من الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، لاسيما أن المدة تزامنت مع انتصار اليمن على الحرب الأمريكية السعودية، وصمود سوريا وهزيمتها للمجموعات التكفيرية والحرب الدولية.
في المقابل:
- تأسس المخطط الأمريكي على مرحلة مضادة قامت على قاعدة شيطنة الجمهورية الإسلامية في إيران، وتفكيك الحشد الشعبي وسلاحه، وتحويل الانتصار إلى هزيمة مرة جرت العراق إلى الاقتراب من الحرب الداخلية.
- يمثل التيار الصدري وبعض المكونات الهامشية جزءاً رئيساً من هذا المخطط، وأحداث تشرين 2019 سواء كان يدرك ذلك أم لا فهو شريك في النتائج.
- أسست الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية تياراً جديد من أحداث تشرين، أغلب أنصاره من الشيعة، ويقوم على سردية شيطنة إيران ومحور المقاومة وفلسطين، ويدعو إلى الليبرالية والعلمانية وحتى اللا دينية، وصل إلى تمثيل نفسه بعدد محدود من الأعضاء في البرلمان، ويسعى إلى أن يحصل على مقاعد أكبر في الانتخابات المقبلة.
- ومن الملاحظ بما يكشف الانتماء للولايات المتحدة الأمريكية أن نسخة من تشرين العراقية – تشرين اللبنانية التي أسقطت رئيس الحكومة اللبنانية في المدة نفسها حسان دياب، انتهجت البرنامج نفسه المعادي لإيران والمقاومة، ووصلت إلى تمثيل نفسها في الانتخابات البرلمانية اللبنانية.
الانتخابات البرلمانية 2025 والسيناريوهات المرجحة:
على الرغم من أهميتها بالنظر إلى التوقيت وأجندات الصراع الذي لا يخرج عن محورين: المحور الأمريكي ومحور المقاومة، ليس من المتوقع أن تفرز نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة في 11-11-2026 تغييراً كبيراً، لكنها في المقابل حملت انقساماً جديداً في كل المكونات، الشيعية، السنية، الكردية.
تريد الولايات المتحدة الأمريكية التي عينت خلال الأسبوع الماضي مبعوثاً جديداً (مارك سفايا)، وهو رجل أعمال من أصول عراقية أن تسفر الانتخابات إلى تشكيلة حكومة تواصل النهج الحالي مع الرغبة في أن تكون أكثر ابتعاداً عن الجمهورية الإسلامية في إيران، وتمتثل لتحقيق هدفين:
- نزع سلاح الحشد الشعبي وتفكيكه، وهي مسألة معقدة، وليس بمقدور أي حكومة تنفيذ ذلك، إلا إذا اختارت الحرب الأهلية، ولن يكون هذا ممكناً عن طريق الحكومة.
- أن تكون التشكيلة الجديدة أكثر مرونة مع ما يسمى خطط ضرب النفوذ الإيراني، على أن الاستراتيجية القائمة لتحقيق ذلك لا تعتمد على نتائج الانتخابات، وهي مستمرة منذ سنوات.
يمكن أن تكون رؤية الانتخابات البرلمانية من زوايا كثيرة: نسب الأصوات، التغيرات في النتائج، العزوف الشعبي عن الاقتراع، وهكذا أيضا المقارنات بين جولات الانتخابات خلال السنوات الماضية.
يتناسب لهذه الورقة قياس التأثيرات التي تفرزها الانتخابات لصالح رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع بلاد غير قادرة على تخطي عنق الزجاجة من دون بذل الكثير من الجهد.
تحصد الكتل والأحزاب الشيعية أغلبية مقاعد البرلمان، لكنها تبقى غير قادرة على تنصيب رئيس حكومة لا توافق عليه واشنطن.
والإجماع الشيعي سيبقى دائماً ناقصاً مكوناً أو أكثر، وفي السنوات الأخيرة شكل ابتعاد التيار الصدري عقبة كبيرة.
وحلفاء الإطار من المكونات السنية والأكراد والمستقلين، يواجهون صعوبات في حصد مقاعد توازي أحجامهم التقليدي.
والاتحاد الكردستاني الذي قاده جلال طالباني سابقا، تراجع بنسب عالية، ويحدث ذلك في المكونات والكتل والقوائم السنية .
يؤثر هذا في الدعاية الانتخابية وفي خيارات الأحزاب، وهو ما يفسر توقف الكثير من المرشحين في القوائم عن “المساس” بالتدخلات الأمريكية، في وقت تتعرض الجمهورية الإسلامية في إيران للتحريض، وفي أحسن الأحوال التغاضي عن حملات الآخرين التي تشيطنها.
وقد استخدمة دعاية قوائم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والمرجع “الحكيم” عبارات وإشارات تتضمن تبني نزع سلاح الحشد الشعبي، بينما لم تكن كذلك في الجولة السابقة، في حين حاول رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني – على رغم أنه مرشح الإطار التنسيقي – أن يقدم نفسه نقطة ارتكاز يمكنه تلبية المطالب الأمريكية من دون الصدام مع الحشد الشعبي.
من الجيد الإشارة إلى حقيقة تثير الكثير من الجدل، وهي أن طهران فضلت ذلك في السابق وتفضله الآن
(مرشح يقف في المنطقة الوسطى)، وتعزى هذه الاستراتيجية إلى تجنب التسبب في عقوبات وأضرار وضغوط على العراق تنفذها واشنطن.
هل تعود هذه الاستراتيجية الآن في الاستحقاق المقبل؟
هذا سيناريو مرجح، ولا يتوقف الأمر على محمد شياع السوداني، وإنما على أي مرشح يسميه الإطار يتوجب أن يتموضع في تلك “المنطقة” لتبدو المعادلة كالاّتي:
تحصد مكونات وقوائم الإطار أغلبية لا يمكن تجاوزها لتشكيل الحكومة، لكنها لا تنفرد بتسمية رئيس الوزراء.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك ذلك، ولهذا تميل تصريحات المسؤولين الأمريكيين، ومن بينها “تهديدات” وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو التي قال فيها: “إن على العراق اختيار مرشح لرئاسة الحكومة يعمل على سحب سلاح الحشد الشعبي” إلى إعطاء صورة ما بعد الانتخابات مع التسليم بنتائج ترجح كفة الحشد الشعبي.
تسمية سفايا (تاجر القنب والحشيش) مبعوثاً لواشنطن في العراق، وهو من خارج السلك الدبلوماسي، كما يفعل ترامب في تعيينات كثيرة أخرى، له علاقة بالاتجاه نحو فرض مزيد من العقوبات والتهديد بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من 100 شركة وشخصيات عراقية، هذه واحدة من الأدوات المستخدمة للضغط على العراق وإيران معا، وثمة أدوات أخرى ضمنها التهديد بعمليات عسكرية ضد الحشد الشعبي (يشارك فيها العدو الإسرائيلي).
والسلوك الأقرب استخداماً في حال فشلت أية تسوية مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن رئاسة الحكومة العراقية بعيدا عن نتائج الانتخابات، أن تقوم واشنطن وحلفاؤها بتكرار فوضى تشرين 2019 بالطريقة نفسها، وبالمكونات نفسها بما في ذلك تيار المرجع مقتدى الصدر الذي أعلن مقاطعة الانتخابات.
سيكون الشعار هذه المرة عدم شرعية الاقتراع بسبب تدني المشاركة الشعبية، على الرغم من أن قانون الانتخابات العراقي لا يحدد سقف المشاركة القانونية المطلوبة؛ لكي تحدث الانتخابات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وباحث سياسي

