“البحر الأحمر ليس مجرد مجرى مائي، بل هو طريق الطاقة والتجارة والحرب في آنٍ واحد”. قال خبير استراتيجي في شؤون افريقيا، هو السفير أحمد حميد عمر، رئيس دائرة أفريقيا في وزارة الخارجية والمغتربين، اليمنية، في سياق حديثه عن “البحر الأحمر والقرن الأفريقي” وكيف تحولت المنطقة إلى ساحة تنافس وبؤر صراع دولي”، مشخصا أسباب الصراع ومستشرفا تداعياته على اليمن.
السفير احمد عمر، دبلوماسي يمني مخضرم، عَمِل في معظم دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا: أثيوبيا، أرتيريا، جيبوتي، كينيا، إضافة لشغله منصب السفير الأسبق لليمن في الصومال، كان يتحدث في محاضرة له، نظمها مركز آفاق اليمن للأبحاث والدراسات في العاصمة صنعاء، تحت عنوان: “البحر الأحمر والقرن الأفريقي ساحة الصراع الدولي وتداعياته على اليمن”.

إعداد / إبراهيم الحكيم
استهل السفير عمر محاضرته بقوله: “نلتقي اليوم لنستعرض ونناقش واحدة من أكثر مناطق العالم سخونةً واهتمامًا، هي منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. هذه البقعة التي قد تبدو هامشية على الخريطة، هي في الواقع شريان الحياة للتجارة العالمية، ومسرح تنافس بين القوى الكبرى، وبوابة الأمن القومي العربي والإفريقي معاً”.
“القرن الافريقي” .. المفهوم الجيوسياسي
تقع منطقة “القرن الافريقي” جغرافيا في شرق قارة إفريقيا وتشمل كلا من اليمن، الصومال، جيبوتي، إريتريا، جنوب السودان، كينيا، وإثيوبيا. لكنها ليست منطقة جغرافية وحسب، بل “تُعد منطقة جغرافية وسياسية حيوية للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وتربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وتجاور الشرق الأوسط والخليج العربي”.
هذا الموقع الجغرافي جعل من هذه المنطقة “تُعد من أكثر مناطق العالم تنوعًا عرقيًا وثقافيًا، ففيها نسيج واسع من الأمهرة، الأورومو، الصوماليون، التيقرينيون، والعرب، مما يجعلها فسيفساء بشرية تعج بالتناقضات”. كما أن “القرابة التاريخية والثقافية مع اليمن وشبه الجزيرة العربية جعلت منها امتدادًا طبيعيًا للفضاء العربي عبر التاريخ”.
ظلت المنطقة “منذ آلاف السنين طريقًا للتجارة بين حضارات اليمن القديم، ومصر الفرعونية، وبلاد الحبشة والهند”. لكن “هذا التنوع الجميل تحول إلى بؤر صراع بسبب التنافس على الموارد، المياه، الموانئ، والسلطة السياسية”. ما جعل المشهد نفسه “يعود اليوم بثوبٍ جديد: قواعد عسكرية بدل القوافل، واستثمارات بدل البخور، وتحالفات أمنية بدل الرحلات التجارية”.
الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر
تبرز أهمية استراتيجية كبرى لمنطقة القرن الافريقي، يشير إليها السفير احمد عمر بتسليط الضوء بشكل أكبر على “أهم الممرات المائية العالمية التي يطل عليها القرن الأفريقي وهو البحر الأحمر”. مؤكدا أن” البحر الأحمر ليس مجرد مجرى مائي، بل هو طريق الطاقة والتجارة والحرب في آنٍ واحد كونه يحظى بمميزات استراتيجيه هامة”.
من هنا، يلخص أبرز هذه الميزات الاستراتيجية الهامة للمنطقة، بأن “البحر الأحمر يعتبر أحد أهم ممرات التجارة العالمية حيث تعبر من خلاله أكثر من 12% من التجارة الدولية، وقرابة 30% من حركة الحاويات البحرية، وبالتالي فإن أي اضطراب في باب المندب أو قناة السويس سيؤدي إلى رفع أسعار النفط والتأمين عالميًا خلال ساعات”.
مدللا على هذا باستحضار امثلة بارز، منها “ما حدث ويحدث من انتصارات حققتها القوات اليمنية في منع وصول السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، نصرة لإخواننا في غزة، الأمر الذي أدى إلى تكبد العدو خسائر هائلة في الاقتصاد جراء منع مرور تلك السفن. وكذا تعطّل سفينة ‘إيفرغيفن‘ في قناة السويس عام 2021 حدث صغير ظاهريًا لكنه شلّ التجارة العالمية”.
أكثر من هذا، يقول السفير احمد عمر: “يعتبر البحر الأحمر العمق الأمني لدول الخليج خاصة السعودية والإمارات، اللتان تعتبران البحر الأحمر درعًا استراتيجيا لأمنها القومي، لأن ناقلاتهما النفطية تمر عبره يوميًا نحو أوروبا. كما ان البحر الأحمر قلب التنافس الدولي وخط التماس بين: القوى الغربية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي)، القوى الصاعدة (الصين، روسيا، وتركيا)، والقوى الإقليمية (إيران، إسرائيل، ودول الخليج)”.
ويعلل هذا التنافس بأن “كل طرف يحاول أن يضع قدمًا على ضفافه، سواء عبر قاعدة عسكرية أو عقد استثمار في ميناء أو اتفاق أمني. من جانب آخر يمثل البحر الأحمر والقرن الأفريقي اليوم شبكة للقواعد العسكرية في المنطقة، فعلى سبيل المثال يمكن أن نصف جيبوتي اليوم بأنها عاصمة القواعد العسكرية العالمية فيوجد فيها عدد كبير من القواعد”.
يذكر السفير عمر، من اهم هذه القواعد:” قاعدة ‘ليمونيه‘ الأمريكية، الأكبر في إفريقيا وتدير منها واشنطن عمليات مكافحة الإرهاب في الصومال واليمن. بجوارها مباشرةً، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارج أراضيها، تحت غطاء حماية ‘طريق الحرير البحري‘. بينما فرنسا تحتفظ بوجود دائم منذ حقبة الاستعمار، وتشاركها إيطاليا وألمانيا وإسبانيا ضمن بعثات أوروبية”.
يضيف: “اليابان تدير قاعدة لمراقبة القرصنة، وهي أول وجود عسكري لها خارج آسيا منذ الحرب العالمية الثانية. هذه القواعد ليست رمزية، بل تمثل نقاط ارتكاز للهيمنة البحرية والتحكم في الممرات الاستراتيجية. وإذا أضفنا إليها القواعد الإماراتية في بربرة وإريتريا، والتركية في مقديشو، والروسية المزمع إنشاؤها في بورتسودان، ندرك أننا أمام خريطة عسكرية مزدحمة لممر لا يتجاوز عرضه 300 كيلومتر”.
صراع الموانئ .. واجهة الحروب الحديثة
يؤكد السفير احمد عمر أن “الصراع على الموانئ هو النسخة الاقتصادية للحروب الحديثة فالميناء اليوم يساوي قاعدة عسكرية بالأمس. فالصين تموّل وتدير ميناء دورالي في جيبوتي، واستثمرت في خطوط سكك حديدية تربط أديس أبابا بالبحر. والإمارات تدير موانئ بربره وعصب، وتنافس على النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن. وتركيا بدورها تدير ميناء مقديشو وتسعى للتوسع في موانئ السودان”.
هذا الوضع القائم للتنافس المحتدم بين القوى الدولية والإقليمية في منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي “جعل بعض السواحل الإفريقية رهينة ديون طويلة الأمد لصالح المستثمرين الأجانب”. لكن هذا لا ينفي بنظر السفير احمد عمر أن “أمن البحر الأحمر مرتبط استراتيجيا بأمن دول القرن الافريقي”. ساردا بالتفصيل ملامح استراتيجيات القوى الإقليمية والدولية لهذه المنطقة الحيوية من العالم.
التنافس والصراع الدولي .. استراتيجيات القوى
يقول السفير احمد عمر: “في خضم هذا التنافس والصراع تبرز استراتيجيات للقوى الدولية الكبرى ومنها الولايات المتحدة التي تنظر إلى القرن الإفريقي كجزء من معركة أوسع لاحتواء الصين من جانب والتركيز على مكافحة الإرهاب وحرية الملاحة وضمان إمدادات الطاقة من جانب آخر، ولكنها تعاني من تراجع نسبي في النفوذ نتيجة انشغالها بأوروبا وآسيا”.
بتفصيل اكبر، يذكر أن “الصين ترى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي محورا حيويا لـ ‘مبادرة الحزام والطريق‘. تربط استثماراتها في البنية التحتية بأهداف سياسية بعيدة المدى. تقدم القروض الميسرة التي تتحول لاحقًا إلى أداة نفوذ ناعم وقوي. وعلى سبيل المثال موّلت الصين سكك حديدية بين أديس أبابا وجيبوتي بكلفة تجاوزت 4 مليارات دولار، لكنها تسيطر فعليًا على تشغيلها.
ويضيف: “روسيا، تسعى لاستعادة مكانتها السوفييتية القديمة عبر اتفاقات عسكرية في السودان وإريتريا. تستخدم شركات مثل ‘فاغنر‘ في تقديم خدمات أمنية مقابل امتيازات في التعدين والذهب. وتحاول التمركز في البحر الأحمر للوصول إلى المحيط الهندي”. بينما “الاتحاد الأوروبي: يركّز على قضايا الاستقرار، مكافحة القرصنة، والهجرة غير النظامية”.
في هذا السياق يذكر السفير احمد عمر أن الاتحاد الأوروبي “يدعم بعثات تدريب في الصومال وبرامج إنمائية في إثيوبيا والسودان. يسعى لخلق توازن بين الأمن والتنمية، وإن كان حضوره أقل حدة من الآخرين”. مفردا مساحة مستقلة للحديث عن استراتيجيات القوى الإقليمية الصاعدة في منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي، وما يعنيه من توسيع دائرة الصراع.
عند حديثه عن استراتيجية الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة لمنطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي، يقول: “إسرائيل: تستخدم استراتيجية ‘الاحتواء والتطبيع‘، وتتقارب مع دول مثل السودان وإثيوبيا وجيبوتي. هدفها: الضغط على مصر في ملف مياه النيل، وتطويق الأمن العربي من الجنوب. كما تسعى لإنشاء وجود بحري قرب باب المندب لمراقبة الملاحة العربية”.
أما السعودية ــ والحديث للسفير عمر ــ “تعتبر البحر الأحمر جزءًا من أمنها القومي، واصفة إياه بأنه ‘بحيرتها الوطنية‘. وتسعى لتأسيس منظمة أمن وتنمية البحر الأحمر بالتعاون مع مصر واليمن والسودان”. ذاكرا بين تطلعات السعودية بشأن البحر الأحمر على المدى المنظور والمستقبلي “مشروع نيوم العملاق يعكس رؤيتها لتحويل الساحل الغربي إلى محور اقتصادي عالمي”.
يضيف: “الإمارات تتبع ‘القوة الذكية‘ مزيج من النفوذ الاقتصادي والعسكري. تسيطر على موانئ استراتيجية وتدعم وجودًا عسكريا في الجزر اليمنية. وتعمل على تأمين طرق التجارة نحو قناة السويس ومنافسة قطر وتركيا” التي يقول: “توسع نفوذها في الصومال وشرق إفريقيا عبر المساعدات الإنسانية والتعليم والتجارة. تبني نفوذًا ناعمًا باسم الإسلام المعتدل، مع تطلعات لإحياء العمق العثماني القديم”.
اليمن.. والصراع الدولي في البحر الاحمر
ينتقل السفير احمد عمر الى اليمن، في خضم هذا التنافس والصراع الدولي في منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي، قائلا: “لا يمكن فصل بلادنا عن هذا المشهد فالجمهورية اليمنية تقع في قلب العاصفة، فهي تقع على أهم ممر مائي في العالم (مضيق باب المندب) الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي وأي اضطراب في اليمن يعني تهديدًا مباشرًا للتجارة الدولية.
موضحا أن “موقع اليمن جعله محور اهتمام لكل القوى فبعضها جاء تحت عنوان ‘مكافحة الإرهاب‘، وبعضها بدافع ‘حماية الممرات البحرية‘. الجزر اليمنية، مثل سقطرى وميون، تحوّلت إلى أوراق نفوذ في يد بعض الدول كالإمارات واسرائيل. إضافةً إلى ذلك، الحرب المستمرة أنهكت مؤسسات الدولة، وجعلت اليمن ساحةً للتجاذب الدولي”.
العمق اليمني في دول القرن الافريقي
مع ذلك، يشير السفير احمد عمر، إلى عمق ثقافي وسكاني يجمع اليمن ودول القرن الافريقي، ينبغي استثماره. فيقول: “ترتبط اليمن مع دول القرن الإفريقي بعلاقات ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، واستقرت في تلك الدول الكثير من الأسر والعوائل اليمنية، وصار منهم التجار والمسؤولين والدعاة الى الإسلام، ونشأت بين الضفتين زيجات وعائلات مختلطة”.
يضيف: “بسطت مملكة أوسان اليمنية سيطرتها على الساحل الإرتيري والجيبوتي والصومالي، وعرف تاريخياً بالساحل الأوساني كما ذكر صاحب كتاب ‘الطواف حول البحر الإرتيري‘. وشكلت إرتيريا تحديداً الحاضنة الجغرافية والتاريخية، التي حفظت لنا عنصر وثقافة سكان جنوب غرب شبه الجزيرة العربية خاصة السبئيين والحميريين، الذين تلاشى وجودهم في مواطنهم الأصلية وازدهروا في مواطنهم الجديدة في كل من إرتيريا وإثيوبيا”.
يسترسل السفير عمر، فيقول: “وكانت إرتيريا منذ ما قبل الإسلام تمثل همزة الوصل بين الجزيرة العربية والحبشة وما ورائها. أسهم التجار والعلماء اليمنيون مع غيرهم من العرب بدور كبير في نشر الإسلام بالطرق السلمية في بلدان شرق أفريقيا مثل: السودان، الحبشة، الصومال، جيبوتي، کينيا، وحتى موزمبيق، وذلك عن طريق وسائل متعددة”.
يذكر من هذه الوسائل: “أبرزها: “تبادل العلاقات التجارية بين التجار اليمنيين وتجار شرق أفريقيا. هجرة بعض القبائل اليمنية واستقرارها في عدد من بلدان شرق أفريقيا. إنشاء التجار اليمنيين مع غيرهم من العرب العديد من المراكز التجارية على سواحل وجزر بلدان شرق أفريقيا مثل: زنجبار، وممباسا، وجزر القمر، وغيرها”.
ليس هذا فحسب، يضيف: “قامت الجاليات اليمنية والعربية (اليمنيون والعرب المقيمون في بلدان شرق أفريقيا) بإنشاء العديد من المساجد والمدارس التي كانت تعلم السكان في بلدان شرق أفريقيا أصول الدين الإسلامي حتى أصبحت من أهم المعاقل للدعوة إلى الإسلام. فأسهم العلماء والدعاة اليمنيون الذين كانوا ينتقلون إلى بلدان شرق أفريقيا بدور كبير في نشر الإسلام والدعوة إليه”.
يلفت إلى أن “من أشهر الدعاة والعماء اليمنيين أحمد بن حسن الحضرمي، الذي كان أول الدعاة في الحبشة، وله دور دعوي كبير أيضا في جنوب شرق آسيا، وغلام الدین عائد اليمني”. وينوه الى “إقبال العلماء وطلاب العلم من شرق أفريقيا على أيدي العلماء اليمنيين، وكانت مدن: زبيد، والمخا، وعدن من أهم المراكز الحضارية اليمنية التي انطلق منها اليمنيون لنشر الإسلام إلى أفريقيا”.
الروابط الاجتماعية والثقافية المتجذرة
يضاف الى هذا العمق الثقافي والديني، اليمني، في دول القرن الافريقي، عمق سكاني حسب السفير احمد عمر، فيتحدث عن “الهجرات المزدوجة”، ومنها: “هجرة اليمنيين إلى الحبشة (إثيوبيا وإريتريا) في عصور ما قبل الإسلام (هجرة الصحابة)، وهجرات إفريقية إلى اليمن عبر القرون”. لافتا الى التمازج الثقافي “التأثير المتبادل في الموسيقى (مثل أغاني “الدان” الحضرمية)، واللهجات، والمطبخ (استخدام التوابل والحبوب)”.
يضيف: “اللغة العربية كلغة مشتركة للتجارة والدين في العديد من المناطق الساحلية في القرن الإفريقي. كما توفر العلاقات الاقتصادية والتجارية إمكانيات هائلة معطلة بسبب الحرب، منها تجارة المواشي”. مشيرا إلى أن “التحويلات المالية من المغتربين اليمنيين في إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي تشكل مصدر دخل للاقتصاد اليمني”. ويلفت الى “امتلاك يمنيين استثمارات عقارية في أديس أبابا وجيبوتي”.
التهديدات الأمنية والاقتصادية والبيئية
ينتقل بعدها السفير احمر عمر الى تهديدات امنية واقتصادية وبيئية للتنافس والصراع الدولي في البحر الأحمر والقرن الافريقي. فيلخص أبرز التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية في: “القرصنة التي تثبت عودتها أن العلاج الأمني وحده غير كافٍ دون معالجة الأسباب الجذرية (الفقر، انهيار الدولة، الصيد غير القانوني)”.
ويضيف تهديد “الإرهاب”، ويذكر من أبرز مظاهره “حركة الشباب الصوماليين”، ويرى أنه “يمثل تهديداً وجودياً للحكومة الصومالية ويهدد بزعزعة استقرار جيرانها”. ثم تهديد “التهريب”، يذكر بين أخطر مظاهره “شبكات تهريب السلاح (لدعم الحروب بالوكالة)، والمخدرات (خاصة الكبتاغون)، والبشر (من إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية)”.
لا تقتصر التهديدات المشتركة لليمن ودول القرن الافريقي على الأمنية، هناك أيضا تهديدات اقتصادية وبيئية. يذكر منها: ” الصيد غير القانوني، إذ تقوم سفن صينية وأوروبية بالصيد الجائر في المياه الإقليمية الصومالية واليمنية، ما يدمر مصائد الأسماك ويحرم الصيادين المحليين الصوماليين واليمنيين من رزقهم، الامر الذي دفع بعض الصوماليين نحو القرصنة”.
ويضيف السفير احمد عمر للتهديدات المشتركة، تهديد “التلوث البيئي”، لافتا إلى “خطر الانسكابات النفطية من الناقلات أو بسبب الهجمات العسكرية”. وتهديد “التغير المناخي”، متحدثا عن تسبب الفيضانات وكذا القحط في خطر “الجفاف والمجاعة يدفعان بسكان الريف نحو المدن الساحلية الهشة، مما يزيد من الضغط الاجتماعي واحتمالات الاضطراب”.
اليمن والقرن الافريقي.. افاق وفرص متاحة
مع ذلك، يتحدث السفير احمد عمر، عن آفاق وفرص متاحة لتطوير العلاقات بين اليمن ودول القرن الافريقي والانتقال الى “تكامل إقليمي يكون لليمن دور رائد فيه من خلال تحويل منطق الصراع إلى منطق التعاون، لا يمكن لأي دولة أن تزدهر وحدها في محيط من الفوضى”. ويذكر من هذه الفرص “إنشاء منطقة تجارة حرة بين اليمن ودول القرن الإفريقي لتشجيع التكامل الاقتصادي”.
يضيف في هذا السياق، فرصا أخرى متاحة لقيام هذا التكامل الإقليمي بين اليمن ودول القرن الافريقي، أبرزها “تطوير مينائي عدن والحديدة ليصبحا مراكز لوجستية عالمية تربط الخليج بأفريقيا. الاستثمار المشترك في الطاقة المتجددة (الشمس والرياح)، إطلاق بنك استثماري يمني–إفريقي لتمويل المشاريع الصغيرة. وتعزيز السياحة الثقافية والبيئية بين اليمن وجيبوتي والصومال”.
السيناريوهات المحتملة للبحر الأحمر:
لكن في مقابل هذه الفرص المتاحة لتعزيز العلاقات اليمنية الافريقية، يبرز السفير احمد عمر “سيناريوهات محتملة لمجمل ما يحدث في المنطقة في ظل التنافس والصراع القائم”. يذكر منها وأبرزها: “السيناريو السلبي (التصعيد)، متمثلا في استمرار الحرب في اليمن، وتصاعد التنافس الأمريكي–الصيني، وانقسام المنطقة إلى محاور”.
يضيف: “السيناريو الحالي (التوازن الهش)، حيث لا حرب شاملة، ولا سلم دائم، واستمرار التواجد العسكري دون صدام مباشر. والسيناريو الإيجابي (التعاون والإعمار) متمثلا في التوصل الى تسوية سياسية في اليمن، وقيام شراكات تنموية بين دول الخليج والقرن الإفريقي، وتحول البحر الأحمر إلى ممر سلام واقتصاد مشترك”.
الأولويات لأمن المنطقة: توصيات هامة
على كل حال يؤكد السفير عمر أن “الحديث عن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر يحمل الكثير من التحليلات والأحداث المستمرة نتيجة لاستمرار التنافس الدولي القائم ولتشابك مصالح الدول الكبرى وتسابقها لإيجاد موطئ قدم في المنطقة” ساردا “توصيات تعبر عن أولويات هامة وأساسية تكون بمثابة حجر أساس لضمان أمن هذه المنطقة ولإدارة جيدة سياسيا واقتصاديا”.
يقول: “بالنسبة لليمن، نوصي بإنهاء الحرب أولوية مطلقة. إعادة بناء المؤسسات السيادية والأمنية. صياغة استراتيجية وطنية للأمن البحري والقرن الإفريقي”. ويضيف: “وبالنسبة لدول المنطقة فأهم تلك الأولويات: تأسيس منظمة دائمة لـ أمن وتنمية البحر الأحمر والقرن الإفريقي. تبني مدونة سلوك بحرية لتنظيم النشاط العسكري في الممرات المائية”.
أما بالنسبة للمجتمع الدولي ــ والحديث لرئيس دائرة افريقيا بوزارة الخارجية والمغتربين اليمنية، السفير والدبلوماسي المخضرم، احمد حميد عمر ـــ “فدوره الهام يكمن في: دعم الحلول السياسية بدلًا من العسكرية. معالجة جذور الإرهاب: الفقر، البطالة، انهيار الدولة. تشجيع استثمارات شفافة ومستدامة تخدم الشعوب لا الأنظمة فقط”.
ويختم محاضرته، بقوله: “إن البحر الأحمر والقرن الإفريقي هما مرآة النظام الدولي الجديد. صراع مصالح، لكنه أيضًا فرصة نادرة لبناء نظام تعاون عربي–إفريقي يعيد لليمن دوره الطبيعي كجسر بين القارتين لا كساحة صراع بين القوى. فإما أن يكون باب المندب ممراً للسلام والازدهار، أو أن يبقى بابًا للفتنة والصراع بين الشرق والغرب”.

