يحمّل الحديث عن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر الكثير من التحليلات والأحداث المستمرة نتيجة لاستمرار التنافس الدولي القائم وتشابك مصالح الدول الكبرى وتسابقها لإيجاد موطئ قدم في المنطقة؛ حسب تأكيد السفير أحمد حميد عمر، رئيس دائرة أفريقيا بوزارة الخارجية والمغتربين، في محاضرة نظمها مركز آفاق اليمن للأبحاث والدراسات بصنعاء، تحت عنوان:” البحر الأحمر والقرن الأفريقي ساحة الصراع الدولي وتداعياته على اليمن”.
وأوصى السفير عمر في محاضرته بإنهاء الحرب على اليمن باعتبارها أولوية مطلقة، يتبعها إعادة بناء المؤسسات السيادية والأمنية، وصياغة استراتيجية وطنية للأمن البحري والقرن الإفريقي.
وحث دول المنطقة على تأسيس منظمة دائمة لأمن وتنمية البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وتبني مدونة سلوك بحرية لتنظيم النشاط العسكري في الممرات المائية.
ودعا المجتمع الدولي إلى دعم الحلول السياسية بدلًا من العسكرية، ومعالجة جذور الإرهاب: الفقر، البطالة، انهيار الدولة، وتشجيع استثمارات شفافة ومستدامة تخدم الشعوب لا الأنظمة فقط.

وفي المحاضرة التي حضرها محمد الدرة نائب رئيس مجلس الشورى، ونخبة من أعضاء مجلس الشورى، والدبلوماسيين والباحثين، أكد السفير عمر، إن البحر الأحمر وبخاصة مضيق باب المندب، يشكل واحدا من أكثر الفضاءات الجيوسياسية حساسية في العالم. فهو لا يُعد مجرد ممر مائي استراتيجي، بل يُمثل حلقة وصل محورية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، وعقدة ربط لخطوط التجارة العالمية التي تعبر قناة السويس نحو أوروبا وأميركا الشمالية.
ونوه بأنه وفق التقديرات، يمر عبره يوميا ما بين 12–15% من حجم التجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات النفط والغاز، وقرابة 30% من حركة الحاويات البحرية. مؤكدا أن أي اضطراب في باب المندب أو قناة السويس سيؤدي إلى رفع أسعار النفط والتأمين عالميًا خلال ساعات.
ولفت عمر وهو الدبلوماسي المخضرم الذي عمل في معظم دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا “أثيوبيا، أرتيريا جيبوتي، وكينيا ” بالإضافة إلى شغله منصب السفير الأسبق لليمن في الصومال، إلى إن الصراع على الموانئ هو النسخة الاقتصادية للحروب الحديثة اليوم، باعتباره صراعاً على طرق التجارة العالمية.
مشيراً إلى أنه وفي خضم هذا التنافس والصراع تبرز استراتيجيات للقوى الدولية الكبرى ومنها الولايات المتحدة التي تنظر إلى القرن الإفريقي كجزء من معركة أوسع لاحتواء الصين من جانب والتركيز على مكافحة الإرهاب وحرية الملاحة وضمان إمدادات الطاقة من جانب آخر.
وأكد على ضرورة إنشاء منطقة تجارة حرة بين اليمن ودول القرن الإفريقي لتشجيع التكامل الاقتصادي، وتطوير مينائي عدن والحديدة ليصبحا مركزين لوجستيين عالميين يربطا الخليج بأفريقيا، والاستثمار المشترك في الطاقة المتجددة (الشمس والرياح)، وإطلاق بنك استثماري يمني–إفريقي لتمويل المشاريع الصغيرة، وتعزيز السياحة الثقافية والبيئية بين اليمن وجيبوتي والصومال، وتحويل منطق الصراع إلى منطق التعاون.
وطرح المحاضر عدة سيناريوهات محتملة لمجمل ما يحدث في المنطقة في ظل التنافس والصراع القائم، أولها السيناريو السلبي (التصعيد) واستمرار الحرب على اليمن، وتصاعد التنافس الأمريكي–الصيني، وانقسام المنطقة إلى محاور، وثانيها السيناريو الحالي (التوازن الهش) بحيث لا تندلع حرب شاملة، ولا سلم دائم، مع استمرار التواجد العسكري دون صدام مباشر، وثالثها السيناريو الإيجابي (التعاون والإعمار) بفعل التوصل لتسوية سياسية في اليمن، وإبرام شراكات تنموية بين الخليج والقرن الإفريقي، وتحول البحر الأحمر إلى ممر سلام واقتصاد مشترك.

أدار المحاضرة التي حظيت بنقاشات جادة، السفير عبد الله علي صبري، مدير مركز آفاق اليمن للأبحاث والدراسات، الذي أكد بدوره أن المركز يضع مسألة اليمن والقرن الأفريقي ضمن اهتماماته البحثية للمرحلة القادمة.

