وائل المولى*
تشهد الجبهة الشمالية لإسرائيل حالة توتّر غير مسبوقة هذه الفترة حيث أن كل المؤشرات والتقديرات تشير إلى أن المنطقة تتقدم بثبات نحو مواجهة جديدة، تتقاطع فيها مشاريع الردع بين استعدادات إسرائيلية واسعة وتصميم متصاعد داخل حزب الله على خوض معركة دفاع كبرى تحت عنوان “الوفاء لدم القائد”.
حيث ذكر أحد كوادر الحزب أن شعار المعركة القادمة واضح وهو “الانتقام لدماء الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله”. وهو ما يعكس روح تعبئة جديدة وقوية داخل القواعد المقاتلة، التي ترى أن المعركة المقبلة ليست جولة عابرة بل صراع وجود وكرامة.
على الطرف الآخر، ينفذ الجيش الإسرائيلي منذ أسابيع سلسلة مناورات ضخمة في الجليل، تتضمن سيناريوهات اجتياح بري واسع لمناطق جنوب لبنان، وإجلاء لسكان الشمال، واستخدام مكثف للمسيّرات والأسلحة الذكية. ويقول ضباط في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية: إن الهدف هو فرض نموذج استنزاف مُنضبط يمنع حزب الله من تعزيز قدراته قرب الحدود من دون الانجرار سريعًا إلى حرب شاملة.
لكن في المقابل، يُجمع محللون ميدانيون على أن حزب الله قد استعاد الجزء الأكبر من عافيته العسكرية بوتيرة سريعة. فقد أعاد ترميم شبكاته القتالية مستفيدًا من إعادة قراءة نقاط ضعفه وترميم الثغرات داخل التنظيم، وتطوير قدرات إنتاج السلاح المناسب، إلى جانب ما يُقال عن استفادة مدروسة من أجزاء من ترسانة الجيش العربي السوري بعد تغيّرات المشهد السوري، وهو ما عزز قدراته بشكل نسبي بعد خسارة جزء كبير من ترسانته الصاروخية.
سياسيًا، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فرض معادلات جديدة تجعل من المواجهة المقبلة إنجازًا تاريخيًا يُعادِل في مخيلته ما تحقّق في حرب 1967.
وصفه محللون داخل إسرائيل بأنه يعيش حالة نرجسية سياسية وعسكرية، وشهية مفتوحة يريد من خلالها أن يُحقق ضربة واحدة تقلب الطاولة على الجميع في المنطقة من تركيا إلى إيران وحزب الله وحتى العراق وسوريا واليمن.
بعد أن تباهى بنصر حققه ضد “حماس” و”حزب الله” وإيران، وبأنه لعب دورًا في إسقاط النظام السوري، ورغبته في ضرب العراق، وإنه لا يُمانع في دفع المواجهة إلى حدود دمشق في لحظة قد يراها “فارقة” لمستقبل الشرق الأوسط.
لكن حسابات الميدان قد لا تُشبه حسابات السياسة. إذ يدرك نتنياهو أن أي خطأ تكتيكي في هذه المعادلة قد يُشعل مواجهة كبرى ومن الممكن أن تتجاوز قدرة إسرائيل على الاحتواء.
ورغم أن “حزب الله” يرى أن الوقت ليس مناسباَ للحرب ولكن إذا فرضت سيخوضها بكل جوارحه وبلا حسابات أو خطوط حمراء لتكريس معادلة الردع الإقليمي، وتثبيت موقع لبنان في ميزان القوى الجديد، لا كمسرح للحروب بل كطرف فاعل في حساباتها.
المعادلة اليوم شديدة الحساسية: إسرائيل تراهن على تفوقها الجوي والتقني والتكنولوجي والسيبراني لكسر بنية الخصم تدريجيًا، و”حزب الله” يعتمد معادلة “الردع بالوجود”، ويعتبر نفسه في معركة وجودية ولا مناص إلا بخوضها بكافة الوسائل بلا رادع.
مراكز أبحاث غربية عدة حذّرت من خطورة “الحرب المحدودة المضبوطة”، لأن الحدود بين السيطرة والانفلات هشّة للغاية. والجنوب على شفير شرارة صغيرة كفيلة بتحويل الجبهة إلى مواجهة شاملة.
وهذا التقدير جعل الأمريكيين يفضلون الضغط السياسي واستثمار نتائج الحرب الأخيرة، والضغط الداخلي اللبناني السياسي والاقتصادي بدلاَ من تجدد المواجهة.
حتى الآن لا يبدو أن العدّ التنازلي قد بدأ بالفعل. ورغم التهديدات وحسابات الردع والتأجيل، فإنّ التطور السريع على الأرض يؤشّر إلى أن المعركة قد تحصل وإن وقعت فلن تشبه أي معركة سابقة.
معركة ترسم حدود القوة، وتحدّد من يُمسك بزمام الإقليم خلال المرحلة القادمة وتغير وجه المنطقة فعلاَ بغض النظر عمن هو المنتصر.
________
*كاتب وصحافي

