ازدواجية الموقف السعودي بين الغضب من ” قرداحي” والصمت تجاه ” سموتريتش “

د أحمد العرامي

د. أحمد العرامي*

عندما صرّح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في عام 2021 بأن الحرب في اليمن “عبثية”، أثار ذلك غضبًا واسعًا في المملكة العربية السعودية التي رأت في تصريحه إساءة مباشرة. جاء الرد السعودي سريعًا وحاسمًا؛ إذ استدعت الرياض السفير اللبناني وسلمته رسالة احتجاج شديدة اللهجة، واتخذت إجراءات دبلوماسية قاسية شملت طرد السفير اللبناني ووقف التعاملات الاقتصادية مع لبنان، ما أدى إلى أزمة سياسية ودبلوماسية حقيقية بين البلدين انتهت بضغط سعودي مباشر أدى إلى استقالة قرداحي من منصبه. هذه الحدة في الرد عكست مدى حساسية السعودية تجاه أي انتقاد يتعلق بحربها على اليمن، والذي تعتبره جزءًا من مسؤوليتها في حماية أمنها ومصالحها الإقليمية.

لكن الموقف بدا مختلفًا تمامًا عندما تعلّق الأمر بتصريحات وأفعال إيتامار بن غفير، ما يسمى بوزير الأمن القومي الإسرائيلي، المعروف بتطرفه في العداء للفلسطينيين. بن غفير أطلق خلال العامين الأخيرين سلسلة من التصريحات الاستفزازية، وقاد اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى، كما أطلق مواقف علنية تدعو لطرد الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان.

رغم ذلك، اكتفت السعودية بإصدار بيانات إدانة رسمية عبر وزارة خارجيتها، تصف تلك التصرفات بأنها “استفزازية” و”انتهاك للوضع القانوني للمسجد الأقصى”، من دون اتخاذ أي خطوات دبلوماسية تصعيدية أو حتى تجميد الاتصالات السياسية غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي

وكذا تصريح ” سموتريتش ” الأخير بأن على أهل السعودية العيش في الصحراء والاهتمام بإبلهم وأن العدو الإسرائيلي غير مهتم بالتطبيع مع السعودية، قوبل بصمت تام ولو صدر هذا التصريح من مسؤول عربي أو إسلامي لأقامت السعودية الدنيا ولم تقعدها.

المفارقة بين الحالتين تثير تساؤلات حول مدى اتساق السياسة الخارجية السعودية في التعامل مع القضايا العربية والإقليمية. ففي حين أن تصريح قرداحي لم يتعدّ كونه رأيًا سياسيًا، قوبل بإجراءات عقابية قاسية، فإن الممارسات الإسرائيلية التي تمسّ أقدس مقدسات المسلمين لم تواجه سوى بيانات تنديد لا تتجاوز الطابع البروتوكولي.

هذا التفاوت لا يمكن تفسيره فقط بالاعتبارات الأخلاقية، بل يرتبط بمستوى المصلحة المباشرة للمملكة في كل قضية. فالحرب في اليمن تمس الدور العسكري والسياسي للسعودية وتؤثر على صورتها الإقليمية، بينما الموقف من إسرائيل محكوم بتوازنات دقيقة تشمل حسابات التطبيع، الضغط الأمريكي، والتحولات في النظام الإقليمي الجديد فيما يسمى الشرق الأوسط.

يمكن القول إن هذا التباين يعكس خللاً في منطق الأولويات السياسية لدى السعودية، إذ يظهر أن معيار الرد لا يُقاس بالمبدأ، بل بدرجة تأثير الحدث على المصالح الذاتية. فحين يتعلّق الأمر بانتقاد تدخل عسكري سعودي، تتحرك الدولة بأقصى طاقتها، وحين يتعلق بانتهاك إسرائيلي ضد الفلسطينيين والمسجد الأقصى، يقتصر الموقف على التنديد اللفظي.

هذه الازدواجية لا تضعف فقط مصداقية الخطاب العربي الرسمي تجاه فلسطين، بل تكرس أيضًا صورة مفادها أن الموقف من العدوان أو الظلم يتحدد وفق هوية الفاعل لا وفق طبيعة الفعل. إن انسجام السياسات مع المبادئ لا يقاس بحدة الرد على الخصوم الصغار، بل بمدى الثبات أمام القوى التي تمتلك النفوذ والضغط.

 

_____________

*باحث سياسي واستراتيجي

كاتب