إبراهيم يحيى الحكيم
كاتب وباحث سياسي
توقفت الحرب في غزة، باتفاق على ثلاث مراحل، ضغطت شعوب وحكومات العالم لإنجازه. لكن الكيان الإسرائيلي لم يضع أوزار الحرب بعد. التصعيد الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان، والاستعداد مستنفر على أشده للمواجهة مع إيران. وما بين لبنان وإيران، يبرز اليمن جبهة، مقلقة للكيان، بات يصنفها “تهديدا حقيقيا” لأمن الكيان القومي وملاحته البحرية والجوية، وأدرج إنهاء هذا التهديد، على قائمة أولوياته الاستراتيجية.
هذا لم يعد سرا، فمراكز القرار في كيان العدو تصرح به، لكن الجديد، هو دخول السعودية على الخط، وتحذيرها حركة “أنصار الله”، من حرب وشيكة مع الكيان “تُسقط حكمها ومحافظات سيطرتها” ([1])، بالتوازي مع تحركات لافتة، تعزز إعلان الكيان قرار “فصل ساحة اليمن عن مسار غزة”، وتأكيده “أن الحرب مع اليمن لم تنته، وستستمر حتى بعد إنهاء حرب غزة” ([2])، وتستدعي تهديد وزير حرب الكيان بـ “رفع علم إسرائيل بصنعاء” ([3]).
تتابع هذه التطورات، نتيجة لسلسلة متغيرات، شهدتها مجريات المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني، طوال عامين من عمليات إسناد قطاع غزة ومقاومتها لعدوان الكيان وحصاره وجرائم حرب وإبادة جماعية لا مثيل لها تاريخيا، أججت مشاعر شعوب العالم وضغطها على حكومتها لاتخاذ إجراءات ضد الكيان، دخل معها في عزلة دولية، أجبرته على الرضوخ للمفاوضات مع المقاومة بقيادة “حماس”.
أولا: متغيرات المواجهة وتداعياتها:
شهدت مجريات المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني متغيرات متلاحقة، تصاعدت معها وتيرة الهجمات ودائرة الأهداف للجانبين، بدءا من إخفاق الحملة الأمريكية بنسختيها “رامي بوسيدون” في إدارة الرئيس جو بايدن (12 يناير 2024م – 17 يناير 2025م)، ثم “الراكب الخشن” في إدارة الرئيس دونالد ترامب (15 مارس- 6 مايو 2025م)، في تحقيق أهدافهما المعلنة في “تدمير القدرات العسكرية للحوثيين (أنصار الله) وإنهاء تهديداتهم وهجماتهم وحماية الملاحة”.
بدا استشعار الكيان لهذا المتغير، ورفعه تصنيف خطر جبهة اليمن، جليا مع بدء سعيه لتدارك ركونه على حلفائه، وشروعه في مواجهة اليمن، وبصورة أكبر منذ يوليو 2024م عقب إصابة طائرة مسيرة لأنصار الله مقر القنصلية الأمريكية في تل أبيب (يافا)، ثم إصابة صاروخ باليستي ساحة مطار اللد (بن غوريون) بالتزامن مع إعلان ترامب التوصل لاتفاق إيقاف متبادل للهجمات مع اليمن بوساطة عُمانية في 6 مايو 2025 ([4]).
ولما كان اليمن يخضع لحصار ويواجه حربا مستمرة منذ 2015، استنفدت خلالها غارات طيران “التحالف العربي” بنك الأهداف الاستراتيجية فيه؛ فقد كانت غارات الكيان على اليمن، مقترنة بدوافع الردع والانتقام ورد الاعتبار، بالنظر إلى استهدافها مرافق مدنية ومنشآت خدمية وتعمدها استهداف خزانات الوقود لإظهار الحديدة وصنعاء تحترقان، بعد كل هجوم يمني يخترق أحزمة وطبقات الدفاعات الجوية للكيان، وتُوثق مشاهد فيديو إصابة أهدافه ([5]).
مع ذلك، أجبر تصاعد عمليات إسناد اليمن لغزة، الكيان على رفع سقف تهديداته، مِن “سيدفعون الثمن سبعة أضعاف”([6])، “توجيه ضربات موجعة” ([7]).، “تدمير البنية التحتية”([8])، “تطبيق قانون إيران مع اليمن”([9])، “فرض حصار بحري وحظر جوي” ([10])، “قطع كل يد ترفع على إسرائيل”([11])، إلى “استكمال الضربات العشر”، في استدعاء لصبغة “توراتية” تشير إلى ابتلاءات رب موسى العشر لفرعون ([12]).
على رغم هذا، أدى فشل الغارات في إيقاف عمليات اليمن، إلى متغير آخر، تمثل ببدء الكيان محاكاة سيناريو “حزب الله” في جنوب لبنان، وانتقاله إلى هدف تصفية قيادات “أنصار الله”، بمعاونة أجهزة استخبارات دولية وإقليمية، لاسيما الإماراتية ([13]) التي استطاعت تطوير شبكات محلية في اليمن ([14])، ما ساعد الكيان على استهداف اجتماع لحكومة “التغيير والبناء” بصنعاء، لكن من دون التيقن من نتائج الاستهداف ([15]) طوال يومين، وقبل أن يعيد حرفيا ([16]) بيان نعي صنعاء ([17]).
لكن هذا الاستهداف، لم يحدث فرقا في المحصلة؛ إذ تصاعدت وتيرة عمليات إسناد اليمن لغزة، من عملية كل (3-4) أيام إلى ثلاث عمليات في اليوم ([18])، بل وأربع ([19]) وست أيضا ([20])، بموازاة تصاعد أسلحة العمليات، من صواريخ باليستية، إلى صواريخ فرط صوتية، ثم صواريخ فرط صوتية برؤوس انشطارية ([21])، وكذا تطوير تكتيكات العمليات، كتحليق الطائرات المسيرة دون مدى صواريخ الدفاعات الجوية للكيان ([22])، بجانب تفعيل الدفاعات الجوية اليمنية ([23]).
ليس هذا فحسب، فقد شملت المتغيرات توسيع اليمن نطاق وأهداف عمليات الإسناد، وبجانب هدف إحكام الحصار البحري على ملاحة الكيان عبر المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وحظر الملاحة بمطارات الكيان؛ برز هدف جديد لعمليات اليمن، هو استهداف القطاع السياحي للكيان والمجمعات الفندقية في إيلات (أم الرشراش)، ما اعدّه الكيان “ضربة استراتيجية خطيرة بإغلاق البوابة الجنوبية لإسرائيل واقتصادها” ([24]).
بالتزامن طرأ متغير موازٍ، بتوسيع نطاق استهداف السفن المرتبطة بالكيان، وبعد إغراق اليمن سفينة “ماجيك سيز” ([25])؛ ثم سفينة “إترنتي سي” بالبحر الأحمر ([26])؛ استهدف اليمن لأول مرة، سفينة “سكارليت راي” المملوكة لرجل أعمال صهيوني، قبالة ميناء ينبع السعودي ([27])؛ وسفينة “MSC AB” شمالي البحر الأحمر ومبنى أركان جيش الاحتلال ([28])؛ عقب إعلان بدء مرحلة رابعة لعمليات الإسناد، وتحذيرات للسفن النشطة بين موانئ السعودية ومصر والكيان ([29]).
أفضت هذه المتغيرات، إلى تصعيد الكيان الإسرائيلي على لسان وزير حربه، يسرائيل كاتس، سقف تهديداته إلى “اغتيال زعيم الحوثيين (حركة انصار الله)”، وإلغاء شعارها “الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”، و”استبداله برفع علم الكيان بعاصمة اليمن الموحد” ([30])، ولم يكن هذا التهديد “تهريجا” كما وصفه محللون سياسيون، ممن قرأوا في المعنى الظاهر للتهديد، تصريحا بشن الكيان حربا برية لغزو اليمن واحتلاله ورفع علم الكيان في صنعاء.
قد يبرز بين غايات هذا التهديد جني مصلحة معنوية، كإظهار الكيان في موقف القوة الضاربة والمارقة والخارقة في الإقليم، ورفع الروح المعنوية في الداخل الصهيوني، وربما غاية رد الاعتبار وحفظ ماء الوجه، في ظل اضطرار سفن الكيان والمرتبطة به إلى التخفي بتغيير بيانات رحلاتها والتمويه برفع أعلام دول أخرى، وعجز جيش الكيان بكل إمكاناته، وما تأتى له من تسليح أمريكي وأوروبي، احتلال غزة ورفع علمه فيها.
كما لا يمكن إغفال غاية “الحرب النفسية” وأهداف: بث الرعب في اليمن، واستفزاز قوات اليمن ودفعها إلى الكشف عن جميع أوراقها، أو استدراجها لتنفيذ تحركات أمنية وعسكرية وقائية تسهم في كشف أسرارها، وربما أيضا كان من غايات التهديد، جس نبض الشارع اليمني حيال دعم الكيان عسكريا للفصائل المعارضة لـ “أنصار الله”، الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، وقد أظهرت هذه الفصائل بالفعل ترحيبا ضمنيا، بالتزامها الصمت.
يؤكد هذا، تعمد كاتس كتابة تهديده بصيغة فاعل مبني للمجهول “سيتم رفع علم”، وليس بصيغة المتكلم “سنرفع”، ما يشي باعتماد الكيان ثالث خياراته العسكرية بمواجهة خطر اليمن، متمثلا في حرب شاملة جوية وبحرية وبرية على اليمن، ليس بالضرورة عن طريق قوات برية للكيان، بل عن طريق دعم طرف ثالث، موالٍ للكيان، يتولى بالنيابة عنه المهمة المتخيلة، تحت ذريعة ” تحرير صنعاء”.
كما يشي استخدام كاتس عبارة “عاصمة اليمن الموحد” وليس “في صنعاء”، بأن الطرف الثالث المنوط به شن الحرب البرية، سيكون التشكيلات العسكرية لفصائل المعارضة الموالية للإمارات، لاسيما التي يقودها طارق صالح في الساحل الغربي لليمن، وربما أيضا التي يقودها “المجلس الانتقالي الجنوبي” في جنوب اليمن، على رغم توجهاته المعلنة للانفصال.
وبدا لافتا هنا، مسارعة مستشار وزير حرب الكيان في وسائل إعلام إماراتية، لإعلان أن تهديد كاتس “دعاية سياسية أكثر منه خطة قابلة للتنفيذ الميداني” ([31])، ما يبرز التمويه غاية لهذا التهوين بالذات مع خصوصية وسيلة إعلانه، وارتباط تصعيد الكيان المتوقع، بالإمارات ونشاطها العسكري في اليمن، على صعيد إنشاء التشكيلات العسكرية المحلية في الساحلين الغربي والجنوبي لليمن، والقواعد العسكرية الجوية في الجزر اليمنية ([32]).
ثانيا: معطيات وتحركات متسارعة:
لا تبتعد هذه المتغيرات، عن معطيات عدة: سياسية واقتصادية وعسكرية، وتحركات لأطراف محلية وإقليمية ودولية، تلتقي مع الكيان الإسرائيلي ومصالحه، في خندق واحد، يتخذ عنوان “إنهاء تهديد الحوثيين (أنصار الله) للملاحة وأمن المنطقة ومصالح العالم”، بحسب ما يروج له الخطاب المتطابق لهذه الأطراف. بالتزامن مع تجاوز جيش الاحتلال دراسة خيار الحرب البرية ضد اليمن، إلى بدء الترتيب لها ومستلزماتها.
فعليًا، يطرح خيار الحرب الشاملة ضد اليمن علنيا، وبصورة أكبر، منذ بداية العام 2025م، في دوائر القرار ومراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية التابعة للكيان الصهيوني، التي تتفق على ضرورة “قيام تحالف إقليمي، والتنسيق الاستخباراتي مع دول الخليج” ([33])، ودعم ما تسميه “قوات الحكومة الشرعية في عدن”([34])، لتشتيت واستنزاف النظام في اليمن بقيادة “أنصار الله”، وصولا إلى إسقاطه، وتنصيب الأطراف الموالية لحلفاء الكيان، المؤيدة للتطبيع معه ([35]).
وفي يوليو 2025م، ظهر إلى العلن بدء اشتغال الكيان الإسرائيلي على خيار الحرب ضد النظام المقاوم في اليمن، عبر إرسال وفود من الكيان تضم خبراء عسكريين، باسم “منتدى الشرق الأوسط”، نفذت زيارات ميدانية إلى الجبهات على خطوط التماس مع مناطق سيطرة سلطات “المجلس السياسي الأعلى” بقيادة “أنصار الله”، في محافظات عدن والضالع وأبين وشبوة، وعقدت لقاءات مع قيادات التشكيلات العسكرية المحلية فيها، الممولة من دولة الإمارات ([36]).
يعزز هذا، تصريح السعودية لأول مرة قبل أيام، بأن الكيان “لديه الإمكانية العسكريةَ على إضعاف الحوثي وتهيئة القوى اليمنيةِ على الأرض لإكمال المهمةِ وإسقاط حكم أنصار اللهِ في صنعاءَ” ([37])، وجاء هذا التصريح بعد شهر من تنظيم السعودية وبريطانيا “المؤتمر الدولي للأمن البحري في مياه اليمن الإقليمية” وإطلاقه “الشراكة الدولية في دعم قدرات خفر السواحل اليمنية لمراقبة المياه الإقليمية ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وتأمين الملاحة الدولية” ([38]).
كما يأتي بين أبرز المعطيات، كشف الكيان عن “مساعدة من دولة الإمارات للحد من هجمات اليمن، عن طريق تفعيل محطة رادارات متطورة في جزيرة زقر اليمنية بالبحر الأحمر ([39])، والكشف عن استكمال الإمارات، تشييد قواعد عسكرية جوية في جزر: “عبدالكوري”، سمحة وسقطرى، ميون (بريم)، وفي ذوباب والمخا، وشبوة (معسكر مرة) ([40])، ما يمكن طيران الكيان من تجاوز إشكالية التزود بالوقود والذخيرة.
وليس من قبيل المصادفة، عقد السفير الأمريكي لدى اليمن ستيف فاجن، لقاءات متتابعة تبحث “دعم تأمين الملاحة الدولية ومكافحة الإرهاب والتهريب”، مع قادة التشكيلات العسكرية المحلية الممولة من التحالف السعودي الإماراتي في الساحل الغربي (طارق صالح) ([41])، وفي مأرب (سلطان العرادة) ([42])، وفي الجنوب، (عيدروس الزُبيدي وعبدالرحمن المحرمي) ([43]).
سرعان ما تُرجمت هذه اللقاءات بزيارات ميدانية متتابعة نفذها وزير دفاع حكومة المنفى، إلى جبهات التماس مع قوات صنعاء، وتفقده التشكيلات العسكرية الممولة من التحالف، في الساحل الجنوبي لليمن: أبين ([44])، عدن ([45])، لحج ([46])، والساحل الغربي: تعز ([47])، المخا ([48])، ميون وباب المندب ([49])، صعدة ([50])، وشبوة ([51])، وإصداره تعليمات “رفع الجاهزية والاستعداد لمعركة “الخلاص”.
ولما كان التصعيد المرتقب، يتطلب تمهيدا يأخذ طابع المسوغات، فقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، حملة علاقات عامة وإعلامية؛ لتسويق ضرورة التدخل الأمريكي العسكري في اليمن، بزعم تأمين الملاحة الدولية ([52])، وحماية مصالحها ([53])، بوصفه “ضرورة لا ترفا” ([54])، وحث واشنطن على تلبية طلب ما يسمى رئيس مجلس القيادة، الموالية للتحالف السعودي الإماراتي بـ “تشكيل تحالف دولي لدعم محاربة الحوثيين وتأمين الملاحة” ([55]).
رافق الحملة، لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ([56])، وكبيرة مسؤولي إدارة شؤون الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية، مورا نمدار، مع رشاد العليمي، وتصريحه بـ “جهود أمريكية لمواجهة الحوثيين وأعمالهم الخطيرة والمزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر” ([57])، وإعلان التزام الولايات المتحدة بـ ” بدعم مستقبل آمن ومزدهر لليمن، خالٍ من طغيان الحوثيين” ([58])، حد وصفهم.
وبالتوازي، عمدت الولايات المتحدة إلى تصعيد حربها الاقتصادية على اليمن، عن طريق توسيع العقوبات الاقتصادية على شركات عامة ومساهمة مهمة وشركات قطاع خاص ([59])، والدفع باتجاه نقل التحكم بقطاع الاتصالات والإنترنت من صنعاء إلى عدن ([60])، وتكثيف قيادة القوات الأمريكية المركزية في المنطقة (سنتكوم)، وإعلانات “ضبط شحنات أسلحة مهربة من إيران” ([61]).
في المقابل، بدا لافتا سعي الولايات المتحدة إلى تقديم بديل لسلطة “المجلس السياسي الأعلى” وحكومته بقيادة “أنصار الله”، بوصفه “نموذجا أفضل” ([62])، عن طريق إلزامها الفصائل الموالية للتحالف السعودي الإماراتي وحكومتها في عدن، بتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية لكبح حال الانفلات والفساد الإداري والمالي والأمني، بمناطق سيطرتها ([63])، والإعلان عن “تحسن اسمي وهمي لسعر صرف العملة اليمنية” يفتقد إلى معطيات اقتصادية ونقدية ([64]).
ولا يبدو عفويا، تطابق خطاب قيادات تلك الفصائل، مع خطاب وزير حرب الكيان الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، وتحديدا في استخدامه لفظ “قريبا” ضمن تهديده بإسقاط النظام في اليمن بقيادة “أنصار الله” ورفع علم الكيان بصنعاء، من ذلك خطابا اليدومي (رئيس حزب الإصلاح _الإخوان) ([65])، وأحمد علي صالح، (نجل الرئيس الأسبق) ([66])، وتبني رشاد العليمي طلب رئيس حكومة الكيان “تحالفا دوليا ضد الحوثيين” ([67]).
ثالثا: السيناريوهات المتوقعة:
في ضوء ما سلف، ترشح سيناريوهات عدة مسار الأحداث على المدى المنظور، نرى وفقا لدوائر أطراف الصراع الإقليمية والدولية وعلاقات المصالح المتداخلة والمتعارضة، أن أبرز هذه السيناريوهات، هي الثلاثة الاّتية:
1- سيناريو الاحتواء والحرب الباردة (المخابراتية):
قد يضطر الكيان الإسرائيلي بفعل الوضع الداخلي المتأزم سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وضغوط تغير الرأي العام الدولي ومواقف حكومات دول العالم، وضمانات ترامب لاتفاق غزة إلى سياسة الاحتواء، عن طريق الالتزام ببنود المرحلة الأولى من الاتفاق، وقد يتجه إلى إيقاف تصعيده ضد لبنان، وكذلك التصعيد العسكري مع اليمن، ريثما يلتقط أنفاسه ويتجاوز آثار زلزال “طوفان الأقصى”، والعزلة الدولية الناجمة عن جرائمه في غزة، ويعيد ترتيب أوراقه وأولوياته في المرحلة الراهنة.
وبطبيعة الحال، فإن أبرز الأوراق التي سيسعى الكيان لإعادة ترتيبها، هي تعزيز أمنه، عسكريا واقتصاديا، ما يجعل توجهه ينصب على جبهات لبنان وسوريا، واليمن وإيران، وإذا كان الكيان يستطيع و عن طريق ضغوط دولية، تحقيق مكاسب على صعيد نزع سلاح “حزب الله” في لبنان، وكذا التطبيع مع سوريا وضمان تبعية نظامها الجديد؛ فإنه يدرك استحالة احتوائه اليمن وإيران، ما يعني تصدر إنهاء خطرهما، أولوياته الاستراتيجية.
لهذا فإن الكيان خلال هذه الهدنة التي يُرجح بالنظر لظروف فرضها، أن تكون متوسطة الأمد؛ قد يُصعد ــ على الأغلب ــ حربا باردة استخباراتية وسياسية واقتصادية، ضد اليمن وإيران؛ لتحديث بنك أهدافه من ناحية، وتكثيف مساعيه للتفجير من الداخل، عن طريق توسيع شبكة جواسيسه وعملائه، وأدوات الحرب النفسية الإعلامية والتحريضية المجتمعية، وتكثيف الضغوط الدولية السياسية والعقوبات الاقتصادية، وتمويل عمليات داخلية بواسطة مليشيات وعصابات موالية، كما حدث مؤخرا في غزة، ويحدث في سوريا، وقد يحدث في اليمن وإيران.
2- سيناريو التصعيد للهجمات والتصفيات:
لكن اتفاق الهدنة الجديدة في غزة، سيظل الالتزام به مرهونا بعوامل “المصلحة والأمن القومي” للكيان والمقاومة، ومسار مفاوضات المرحلتين الثانية والثالثة للاتفاق، المتعلقتين بسلاح المقاومة وإدارة قطاع غزة، ومدى تنفيذ الولايات المتحدة التزامها بضمان كبح جماح الكيان ومنع استكمال خطته المعلنة لاحتلال قطاع غزة ونزع سيادته، وإلحاقه بالضفة الغربية في فرض سيطرته الكاملة، ضمن سعيه المعلن لضم الضفة وتغيير اسمها إلى “يهودا والسامرة”.
وفي حال نكث الكيان بالاتفاق بأي ذريعة كما هو نمط سلوكه المتكرر حيال قطاع غزة منذ 2005م يتوقع أن يستبق الكيان نكثه للاتفاق أو أن يبدأ بالتوازي تصعيدا عسكريا ضد إيران واليمن، وقد يبدأ باليمن، ويستهدف ما جرى تحديثه من بنك أهدافه، على صعيد تدمير المرافق والمنشآت، وعلى صعيد تصفية القيادات، بموجات جديدة من الغارات الجوية والضربات البحرية المكثفة.
3- سيناريو تفجير وشن الحرب الشاملة:
يظل السيناريو الثالث غير المستبعد في نهاية المطاف، ولاسيما في حال استمر تعثر انفراج المفاوضات الأمريكية الأوروبية الإيرانية، وتصاعدت تداعيات العقوبات وآلية “العودة السريعة”، أن يعمَّد الكيان الإسرائيلي إلى الحرب الشاملة ضد إيران واليمن، عن طريق هجمات جوية وبحرية، وتفجير حرب داخلية، ولاسيما في اليمن بواسطة دعم التشكيلات العسكرية المحلية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، وتوفير الغطاء الجوي لها، في حال تحركت بريا، أو عن طريق تفجير حرب إقليمية ضد إيران واليمن، عن طريق تحالفات عسكرية جديدة، تضم أطرافا جديدة، مثل تركيا وباكستان، وربما الهند.
_____________
المصادر:
[1] – صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، “لبنان واليمن وإيران بعد غزة”، 15 أكتوبر 2025م.
https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/5197392-
[2] – “القناة 12” الصهيونية، الأربعاء (8 أكتوبر 2025م).
[3] – وزير حرب الكيان يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 19 سبتمبر 2025م.
https://x.com/Israel_katz/status/1968958223429329118
[4] – وزارة الخارجية العُمانية، بيان اتفاق إيقاف إطلاق النار بين أمريكا واليمن، 6 مايو 2025.
x.com/FMofOman/status/1919814418751172851
[5] – متحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي، إعلان أول غارات للكيان على اليمن، 20 يوليو 2025م.
https://x.com/AvichayAdraee/status/1814717347283845218
[6] – وزير حرب الكيان ، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 19 ديسمبر 2024.
https://x.com/Israel_katz/status/1869631511223517656
[7] – وزير حرب الكيان ، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 8 مايو 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1920346565924757816
[8] – وزير حرب الكيان ، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 16 مايو 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1923397915633979472
[9] – وزير حرب الكيان ، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 1 يوليو 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1940120662347325598
[10] – وزير حرب الكيان، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 17 أغسطس 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1957076866088513652
[11] – وزير حرب الكيان، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 28 أغسطس 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1961075591437758695
[12] – وزير حرب الكيان، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 4 سبتمبر 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1963460065647579357
[13] – مركز “القدس للشؤون العامة” التابع للكيان: 15 سبتمبر 2025.
jcpa.org/yemen-has-become-a-central-theater-of-confrontation-between-israel-and-the-iranian-axis
[14] – مجلة (أوريان 21 – Orient XXI) الفرنسية، تقرير سياسي عسكري، 2 اكتوبر 2025.
www.orientxxi.info/magazine/article8557
[15] – قناة ” i24news”، غموض يكتنف مصير قيادات حوثية: 31 أغسطس 2025.
https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east/artc-eaed6fe3
[16]– وزير حرب الكيان الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 30 أغسطس 2025.
x.com/Israel_katz/status/1961865380051451907
[17]– وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، صنعاء: 30 أغسطس 2025م.
https://www.saba.ye/ar/news3544390.htm
[18]– بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية، استهداف الكيان بثلاث عمليات: 3 سبتمبر 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1963165251962032461
[19]– بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية، تنفيذ 4 هجمات في يوم واحد: 25 يوليو 2025.
x.com/army21yemen/status/1948843521747648837
[20] – بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية، تنفيذ 6 هجمات في يوم واحد : 7 سبتمبر 2025.
x.com/army21yemen/status/1964730578022080912
[21] – قناة “الحدث” السعودية، إعلان الكيان تعرضه لصواريخ انشطارية: 22 أغسطس 2025.
t.me/alhdth_now/114472
[22] – بيان متحدث القوات المسلحة، تفعيل الدفاعات الجوية: 10 سبتمبر 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1965783179648000215
[23]– بيان متحدث القوات المسلحة، تفعيل الدفاعات الجوية: 7 يوليو 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1941969888353906845
[24] – نائب رئيس حكومة الكيان الصهيوني سابقا (2007-2009م) حاييم رامون، منصة “إكس”: 25 سبتمبر 2025.
https://x.com/ramonhaim/status/1971293124472262974
[25] – متحدث القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، استهداف سفينة “ماجيك سيز”: 7 يوليو 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1942207204704022988
[26] – متحدث القوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، استهداف سفينة “إترنتي سي”: 9 يوليو 2025.
x.com/army21yemen/status/1942962107323933050
[27] – متحدث القوات المسلحة اليمنية، استهداف سفينة “سكارليت راي”: 1 سبتمبر 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1962392475458548035
[28] – متحدث القوات المسلحة اليمنية، استهداف مبنى أركان جيش الاحتلال وسفينة (MSC AB): 2 سبتمبر 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1962891392331460627
[29] – متحدث القوات المسلحة اليمنية، تدشين المرحلة الرابعة من إسناد غزة: 27 يوليو 2025.
https://x.com/army21yemen/status/1949573215917121825
[30] – وزير حرب الكيان الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، منصة “إكس”: 19 سبتمبر 2025.
https://x.com/Israel_katz/status/1968958223429329118
[31] – قناة “سكاي نيوز” عربية، ابوظبي، مستشار وزارة دفاع الكيان الاسرائيلي، ألون أفيتار: 20 سبتمبر 2025.
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1821572
[32] – موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، شبكة القواعد المشتركة للإمارات وإسرائيل في اليمن: 2 أكتوبر 2025.
https://www.middleeasteye.net/news/uae-yemen-somalia-circle-bases-control-gulf-of-aden
[33] – معهد القدس للإستراتيجية والأمن، “مشكلة الحوثيين: لا يوجد حل في إيران”: 29 ديسمبر 2024.
https://www.inss.org.il/he/publication/houthi-problem/
[34]– معهد القدس للإستراتيجية والأمن، التهديد الحوثي:المصادر، التأثيرات، وسبل المواجهة، ضُباط بجيش الكيان، 29 سبتمبر 2025م.
https://jiss.org.il/siboni-winner-confronting-the-houthi-threat
[35] – صحيفة “ذا ناشيونال” الأمريكية، 24 سبتمبر 2025م، شوهد بتاريخ: 10 أكتوبر 2025م.
[36] – صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية: (12 سبتمبر 2025م).
https://www.jpost.com/middle-east/article-867166
[37] -صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، “لبنان واليمن وإيران بعد غزة”، 15 أكتوبر 2025.
https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/5197392-
[38] – سفير السعودية لدى اليمن، محمد آل جابر، منصة “إكس”: 16 سبتمبر 2025.
https://twitter.com/mohdsalj/status/1967981455344357840
[39] – قناة (i24news) الصهيونية، مساعدة إماراتية لإسرائيل ضد الحوثيين: 22 سبتمبر 2025م.
https://www.i24news.tv/he/news/international/middle-east/artc-9cd3548c
[40] – موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، شبكة القواعد المشتركة للإمارات وإسرائيل في اليمن: 2 أكتوبر 2025.
https://www.middleeasteye.net/news/uae-yemen-somalia-circle-bases-control-gulf-of-aden
[41] – وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، عدن: 9 أكتوبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=135908
[42] – وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، عدن: 9 أكتوبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=135739
[43] وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، عدن: 8 سبتمبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=134168
[44] – السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 11 سبتمبر 2025.
https://x.com/USEmbassyYemen/status/1966069239569088893
[45] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 14 أكتوبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=136140
[46] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 5 اكتوبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=135666
[47] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 4 أكتوبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=135620
[48] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 20 سبتمبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=134793
[49] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 17 سبتمبر 2025.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=134633
[50] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 9 سبتمبر 2025م.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=134202
[51] – وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 15 أغسطس 2025.
https://sabanew.net/story/ar/133021
[52] – منتدى الشرق الأوسط: 9 أكتوبر 2025.
https://www.meforum.org/mef-observer/hamas-is-finished-but-the-houthis-remain
[53]– مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية: 10 أكتوبر 2025.
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/how-to-secure-the-red-sea-yemen
[54] – مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) الأمريكية: 9 أكتوبر 2025.
[55]– وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 28 سبتمبر 2025م.
https://sabanew.net/viewstory.php?id=135303
[56] – مجلة “ذاناشيونال انترست”: 8 أكتوبر 2025.
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/whos-winning-yemens-war-no-one
[57] – السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 28 سبتمبر 2025.
https://x.com/PresidentRashad/status/1971733848598970873
[58] – السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 28 سبتمبر 2025.
https://x.com/USEmbassyYemen/status/1972176127524270199
[59]– السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 26 سبتمبر 2025.
https://x.com/USEmbassyYemen/status/1971575736684138944
[60] – السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 12 سبتمبر 2025.
https://x.com/USEmbassyYemen/status/1966575645049163885
[61] – وكالة الأنباء اليمنية (سبأ): 18 يناير 2025.
https://sabanew.net/story/ar/123329
[62] – القيادة المركزية للقوات الأمريكية (سنتكوم): 14 أغسطس 2025.
https://x.com/CENTCOMArabic/status/1956069350185824642
[63] – السفارة الأمريكية لدى اليمن، منصة “إكس”: 4 سبتمبر 2025.
https://x.com/USEmbassyYemen/status/1963650929917411735
64 – وحيد الفودعي، أكاديمي متخصص في العلوم المالية والمصرفية، منصة “فيس بوك”: 7 سبتمبر 2025.
https://www.facebook.com/Waheedalfawdai/posts/
65– رئيس حزب الإصلاح، محمد اليدومي، موقع “الإصلاح نت”: 12 سبتمبر 2025.
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=12041
66 – احمد علي عبدالله صالح، قناة “اليمن اليوم”، مصر: 25 سبتمبر 2025.
https://www.yementdy.tv/news48808.html
67– وكالة الأنباء اليمنية (سبا)، عدن: 28 سبتمبر 2025م.

