باكستان وأفغانستان، توتر إقليمي في سياق أبعاد دولية

باكستان-وافغانستان 001

فواز أحمد النقاش

كاتب وباحث سياسي

 

يشهد الإقليم الآسيوي الجنوبي تصاعدًا جديدًا في حدة التوتر بين باكستان وأفغانستان، على خلفية تبادل الاتهامات بشأن دعم الجماعات المسلحة وشن عمليات عبر الحدود.

هذا التصعيد لا يمكن النظر إليه في إطاره الثنائي فقط، بل هو انعكاس لتشابك مصالح قوى إقليمية ودولية كبرى، تحاول كلٌّ منها إعادة التموضع في جنوب آسيا عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021، وتغيير موازين القوة بين الولايات المتحدة، الصين، وروسيا.

أولا: الخلفية العامة للأزمة

يُعد الخلاف الحدودي الممتد على طول “خط دوران” (Durand Line) أحد أبرز أسباب التوتر المستمر بين البلدين منذ أكثر من قرن، فبينما تُعدُّ باكستان الخطّ حدًّا دوليًّا معترفًا به، ترفض كابول الاعتراف به بوصفه يقسم القبائل البشتونية بين دولتين.

بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، توقعت إسلام أباد أن تتشكل حكومة صديقة تسهم في استقرار المنطقة، إلا أن الواقع جاء معكوسًا؛ إذ ازدادت هجمات حركة طالبان باكستان (TTP) داخل الأراضي الباكستانية، ما دفع الجيش الباكستاني إلى شن عمليات محدودة داخل أفغانستان في 2024–2025، تسببت بتصعيد دبلوماسي واسع.

وبحسب تقارير فإن باكستان اتهمت كابول بدعم هجمات على إقليم خيبر بختونخوا، فيما ردت طالبان ببيان حادٍّ وصفت فيه التحركات الباكستانية بأنها “اعتداء على السيادة الوطنية”، وأغلقت بعض المعابر التجارية في ولاية ننغرهار ([1]).

ثانيا: الفاعلين الدوليين في الأزمة

  • الولايات المتحدة:

على رغم انسحابها العسكري من أفغانستان عام 2021، لم تغادر واشنطن المشهد السياسي كليًّا، إلا أن الإدارة الأمريكية تعمل على إعادة صياغة سياستها تجاه المنطقة عن طريق التعاون الاستخباراتي مع باكستان، لاسيما في تتبع تحركات “داعش–خراسان”، غير أن واشنطن تخشى في الوقت ذاته من تعاظم التقارب الباكستاني–الصيني ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، وهو ما يدفعها إلى استخدام الأزمة الحالية وسيلة ضغط لإبقاء باكستان ضمن دائرة النفوذ الغربي. وتصب التصريحات التي أدلى بها الرئيس ترامب مؤخرا بشأن قاعدة ” براغام” في أفغانستان في هذا الاتجاه.

  • الصين الشعبية:

تُعد الصين اللاعب الأكثر حضورًا في المشهد الباكستاني؛ نظرًا لاستثماراتها الضخمة في مشاريع البنية التحتية والطاقة، وبحسب تقارير فقد فتحت بكين قنوات اتصال مباشرة مع حكومة طالبان؛ لضمان حماية مشاريعها من أي اضطرابات أمنية، وتخشى الصين من أن تؤدي الفوضى على الحدود الباكستانية–الأفغانية إلى تهديد استقرار إقليم شينجيانغ، أو التأثير سلبًا في طريق التجارة الممتد من جوادر إلى كاشغر؛ لذا، تعمل بكين على موازنة علاقاتها بين الطرفين، مع ممارسة ضغوط دبلوماسية خفية للحفاظ على التهدئة ([2]).

  • روسيا الاتحادية:

تسعى موسكو منذ 2022 إلى استعادة نفوذها التقليدي في أفغانستان، عن طريق مبادرات ووساطة ومؤتمرات أمنية في موسكو وسمرقند، ووفقًا لتقرير([3]) فإن روسيا تتابع بقلق تمدد تنظيم “داعش–خراسان”، وتعده تهديدًا مباشرًا لحلفائها في آسيا الوسطى (طاجيكستان وأوزبكستان)، كما تُوظّف روسيا التوتر الباكستاني–الأفغاني ورقة لتعزيز نفوذها الدبلوماسي في مواجهة الولايات المتحدة، لكنها في الوقت ذاته تتحفظ على الانخراط الميداني المباشر بسبب انشغالها بالصراع الأوكراني.

  • الهند وإيران:

تشترك نيودلهي وطهران في رؤية متقاربة تجاه أفغانستان، تنطلق من رغبة في تقليص النفوذ الباكستاني، فالهند، التي فقدت نفوذها بعد سقوط الحكومة السابقة الموالية لها، تسعى إلى العودة عن طريق دعم مجموعات مناهضة لطالبان، بينما ترى إيران في تصاعد التوتر فرصة لمدّ نفوذها غرب أفغانستان عن طريق دعم مكونات الهزارة والطاجيك، وقد أشارت تقارير/ ([4]) إلى لقاءات غير رسمية بين مسؤولين هنود وإيرانيين لمناقشة “استراتيجية مشتركة لإبقاء التوازن الإقليمي” دون مواجهة مباشرة.

ثالثا: الموقف الأفغاني الداخلي

تبدو حركة طالبان اليوم في وضع أكثر تعقيدًا مما كانت عليه بعد 2021، فهي تواجه ضغوطًا داخلية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية، ورفض دولي للاعتراف بها، وصراع داخلي بين جناحين رئيسين، جناح قندهار: يميل إلى التشدد والانغلاق، ويقوده الملا هيبة الله أخوند زاده، وجناح كابول: أكثر براغماتية، ويسعى إلى بناء علاقات مع الصين وروسيا؛ لضمان الموارد والاستقرار.

ويُستخدم التصعيد ضد باكستان في الوقت الراهن أداة لتوحيد الصف الداخلي، وإظهار الحكومة بمظهر “المدافع عن السيادة الوطنية” أمام الرأي العام الأفغاني.

رابعا: السيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول: استمرار التوتر المنضبط:

يتوقع أن تستمر المناوشات الحدودية والتصعيد الإعلامي دون تحولها إلى حرب مفتوحة؛ إذ تمارس الصين وقطر ضغوطًا خلف الكواليس للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، حمايةً للمشاريع الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة، وهو السيناريو الأرجح.

وفي هذا الصدد، جرى الإعلان في الدوحة ( 18 أكتوبر 2025 ) عن وقف فوري لإطلاق النار بين البلدين، بعد اشتباكات على الحدود هي الأعنف منذ 2021، وأعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف “التوصل” إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الجارتين الواقعتين في جنوب آسيا، وقال: إن الجانبين سيجتمعان مرة أخرى في 25 أكتوبر الجاري، في إسطنبول لمناقشة “مسائل تفصيلية”.

السيناريو الثاني: الانزلاق إلى صراع واسع:

في حال فشل الاتفاق، وشنت باكستان عملية عسكرية كبيرة داخل أفغانستان، بدعم غير معلن من واشنطن أو بكين، قد يؤدي ذلك إلى تفجر الوضع الإقليمي وعودة الجماعات المسلحة إلى الواجهة، وقد حذّرت مجموعة الأزمات الدولية ([5])، من أن أي عمل عسكري غير محسوب سيعيد المنطقة إلى دوامة “حرب بالوكالة”.

السيناريو الثالث: مسار دبلوماسي إقليمي:

الاحتمال الأضعف يتمثل في وساطة إقليمية، تجمع الأطراف المتنازعة في إطار مؤتمر ثلاثي (الصين–قطر–تركيا)، يهدف إلى إعادة الثقة وبناء آلية دائمة لإدارة الحدود، وهو مقترح مطروح منذ أوائل 2024.

 

ختاما:

يمكن القول: إن التوتر الباكستاني–الأفغاني في أكتوبر 2025 يمثل نموذجًا معاصرًا لتقاطع المصالح الدولية في منطقة شديدة الحساسية جيوسياسيًا، فهو نزاع ظاهره حدودي وأمني، وباطنه تنافس دولي على النفوذ والطاقة والممرات التجارية؛ إذ تتحكم الصين في إيقاع الأزمة من زاوية اقتصادية، بينما تستخدمها الولايات المتحدة ورقة ضغط جيوسياسي، وتراقب روسيا المشهد لتوسيع حضورها الدبلوماسي، في المقابل، تحاول طالبان وباكستان تجنب الانفجار الكامل حفاظًا على مصالحهما، على رغم استمرار التصعيد الإعلامي والعسكري المحدود.

وعليه، فإن تقديرنا للموقف يشير إلى استمرار حالة “التوتر المنضبط” خلال المدى القريب، مع إمكانية انفجارها في حال تدهور الأوضاع الأمنية في خيبر بختونخوا، أو ظهور دعم عسكري علني لطالبان باكستان من داخل الأراضي الأفغانية.

_____________

المصادر:

 ([1]) Pakistan Accuses Kabul of Abetting Terror Attacks in Khyber Pakhtunkhwa.” The Express Tribune (Karachi), October 10, 2025.

([2])  United States Institute of Peace, “China’s Afghanistan Policy: A Strategic Assessment,” USIP Reports (Washington, DC, 2024).

([3]) Carnegie Endowment for International Peace. 2025. “Russia’s Balancing Act in Afghanistan.” September.

([4]) Observer Research Foundation. 2025. “India and Iran’s Quiet Diplomacy on Afghanistan.” ORF Issue Brief. October 15.

 

([5]) International Crisis Group. “Tensions on the Durand Line: Preventing an Afghan-Pakistan Escalation.” Crisis Group Asia Report. October 2025.

كاتب